إحسان عبد القدوس: للعمر تأثير على صوت المغني
في مجلة روز اليوسف عام 1958، كتب الأديب إحسان عبد القدوس مقالا، يرد فيه على مقال كتبه الدكتور مصطفى محمود هاجم فيه الموسيقار محمد عبد الوهاب قال فيه: "عجبت أشد العجب حين قرأت رأيا غريبا كتبه صديقى الدكتور مصطفى محمود يلغى فيه تماما شخصية المطرب في الغناء، فهو يرى أن صوت المغنى يجب ألا يكون له شخصية ثابتة ولا طابع ثابت، وأن الشخصية والطابع في رأى مصطفى مثل الموضة التي لا تزيد عمرها على عام.. أي أنه يطلب من محمد عبد الوهاب أن يكون صوته "شوال" ثم يغيره إلى موضة البرميل بعد عدة أشهر وهكذا".
لا شك أن مصطفى لا يقصد ولا يعنى هذا الكلام لأن المغنى مهما غير صوته وبدل فيه يظل دائما محتفظا بشخصيته في صوته.
إن عبد الوهاب وهو يغنى شوال أو برميل يظل دائما عبد الوهاب ويظل صوته صوت عبد الوهاب، ومعروف أن الموسيقى لها سلم محدد (دو، رى، مى...)، وأصوات المغنين تقاس قوتها ومرونتها بقدرتها على اللحاق بدرجات هذا السلم، فإذا نط السلم الذي يصل بين الدورين الثالث والرابع، ثم عاد وقرر أن يغنى بين الدورين الأول والثانى فليس معنى ذلك أنه غير شخصيته، لكن هنا يقال أنه غير طبقة صوته، وقد يغير المغنى طبقة صوته في الأغنية الواحدة.
الصوت هو آلة المغنى.. هو الكمان، هو البيانو أو القانون، والعود والكمان لا يمكنان تفقد شخصيتها.
اللبس الذي وقع فيه مصطفى عن تغير صوت عبد الوهاب هو أنه نسى حكم السن ـــــ سن عبد الوهاب ــــ فصوته عندما كان في السادسة عشر (يغنى فيك عشرة كوتشينة في البلكونة) ليس هو صوت عبد الوهاب عندما أصبح رجلا يغنى الجندول، وليس هو صوت عبد الوهاب شيخا يغنى "خى خى حبيبى ليه آسى".
في جميع الأطوار لم يفقد عبد الوهاب شخصيته، لكن هناك حالة واحدة يفقد فيها المغنى شخصيته وذلك عندما يحاول أن يقلد مغنيا آخر.
فقد ظهر مطربون كثيرون حاولوا تقليد عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب ونجحوا إلى حد كبير.. ورغم ذلك لم يستمروا وذلك لأنه لم تكن لأصواتهم شخصية قائمة بذاتها.
والذي أعرفه أن مصطفى محمود عاشق لعبد الوهاب، وأنه عاشق عاقل، وأنا حاولت فيما كتبت أن أدافع عن عبد الوهاب ضد رأى كتبه أحد عشاقه فإن صوت عبد الوهاب عبقريته كامنة في موسيقاه وألحانه هي العبقرية الخالدة.
.لكن الحديث عن صوت عبد الوهاب ظلم له لأنه لا يقاس بصوته ولا يحكم عليه بصوته.