رئيس التحرير
عصام كامل

دور الدولة في الاستثمار!


الدولة في الماضي كانت تتعامل مع الاستثمار على أنه رفاهية أو كماليات وأن المستثمرين "حرامية" ومافيا أراضٍ ومجموعة من المنتفعين، وكانوا دائمًا في موضع اتهام وعليهم الدفاع عن أنفسهم وإثبات أنهم شرفاء يسعون للإفادة والاستفادة، ولم يكن لدى الدولة إيمان بأهمية الاستثمار، فكانت تارة تنشئ وزارة للاستثمار ثم تقوم بإلغائها أو دمجها مع وزارة أخرى أو تسلبها كثيرًا من اختصاصاتها وقطاعاتها المهمة أو يتولى مسئوليتها من هم ليسوا أهلا لها.


خلال الفترة الماضية أيقنت الدولة أن الاستثمار قضية حياة أو موت وأنه هو الأمل والحل السحري لكل مشاكلنا، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد يتزايد دور وأهمية القطاع الخاص، ولذلك اتخذت خطوات مهمة من أجل تهيئة مناخ الاستثمار بدأت بإنشاء المجلس الأعلى للاستثمار، يقوده رئيس الجمهورية شخصيا حتى يعطيه الأهمية القصوى ولقراراته القوة والالزامية، ثم دمج وزارة التعاون الدولي مع الاستثمار ثم قامت الدولة بإصلاحات تشريعية ضرورية من خلال حزمة قوانين كانت مطلوبة، مع تقوية المؤسسات التي تتعامل مع المستثمرين للقضاء على الفساد والروتين، بالإضافة إلى إصلاح البنية الأساسية في الكهرباء والطاقة والغاز والطرق والكباري والانفاق وتكنولوجيا المعلومات والنقل والمواصلات، كل ذلك كان له مردود إيجابي على الاقتصاد ومناخ الاستثمار.

رغم أن الدولة بذلت جهودا كبيرة في إصلاح البنية الأساسية والتشريعية ولكنها مازالت تتوجس خيفة من القطاع الخاص، وتفضل القيام بمهام كثيرة حتى وصلت إلى توزيع المواد التموينية وأنبوبة البوتاجاز، وهي تفعل ذلك بسبب التجارب السابقة وحجم الفساد الذي كان في المناقصات والمزايدات والتوريدات فجعلها تفضل القيام بهذه المهام أو إسنادها إلى بعض الجهات العامة، ولكن أتوقع بعد استقرار الأوضاع سوف تنسحب وتترك المجال للقطاع الخاص تحت رقابتها الصارمة.

السؤال الأهم ما هو دور الدولة في الاستثمار مستقبلا!؟ أفضل إجابة عن هذا التساؤل هو ما يحدث حاليًا في قطاع الاتصالات لأنه النموذج الأمثل للاستثمار في مصر، فلدينا أربع شركات محمول ثلاثة منها قطاع خاص وواحدة حكومية يتنافسون جميعًا لإرضاء المواطن من خلال تحسين الخدمة وخفض الأسعار تحت رقابة الدولة (الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات )، وهذا ما أتمناه لشكل الاستثمار أن يقتصر دورها على تهيئة المناخ بالتنظيم والرقابة وحماية المنافسة وحقوق محدودي الدخل ومنع الاحتكار، ومن حق الدولة منافسة القطاع الخاص وبنفس الشروط حتى تكون المنافسة شريفة وعادلة.

أتمنى أن يكون لدينا خطوط سكة حديد لأكثر من شركة قطاع خاص ويتنافس الجميع لصالح المواطن، وأن تتخلى الدولة على كثير من المجالات وتتركها للقطاع الخاص ينفق من أمواله ويتولى مسئولية التوظيف والإنتاج ويحقق أرباحًا تأخذ منه الدولة ضرائب تنفق منها على الخدمات والمرافق ومحدودي الدخل.

الدولة تعلم أنه ليس من مصلحتها منافسة القطاع الخاص أو التضييق عليه؛ (لأن هذا معناه تشريد ملايين العمال وضياع ضرائب بالمليارات)، وأن فساد الماضي كان بسبب غياب دورها وعدم وجود منظومة حوكمة شديدة ولكن بعد تعظيم دور الأجهزة الرقابية، فسوف تشهد المرحلة القادمة المزيد من الاستثمارات للقطاع الخاص سواء كان منفردًا أو بالشراكة مع الدولة.
egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية