رئيس التحرير
عصام كامل

خفاجى: الأخبار الكاذبة في الانتخابات جريمة ولا تسقط بالتقادم

 الدكتور محمد خفاجى
الدكتور محمد خفاجى

بعد أقل من شهر من بحث الفقيه المستشار الدكتور محمد خفاجى عن " المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية المدخل لتحقيق التنمية والاستقرار الآمن للوطن. دراسة تحليلية في الفكر الدستورى والسياسي في ظل الأنظمة الديمقراطية والمتولدة عقب الثورات الحاضنة لتحديث الدولة". الذي لاقى تأثيرًا كبيرًا لدى قطاعات كثيرة في المجتمع ، أعد بحثًا ثانيًا من سلسلة أبحاثه المتميزة من منطلق مسئوليته الفقهية عن " المدخل لبناء الثقافة القانونية للناخب المصرى وصندق الاقتراع. دراسة تحليلية لحقوق وواجبات الناخب وصندوق الاقتراع والإجراءات الضامنة لحسن سير العملية الانتخابية "


إن الصوت الانتخابى في الانتخابات الرئاسية له أهمية كبرى كإحدى ثمار المشاركة السياسية ، ومن جانبنا نرى أن دعم هذا الحق العام لا يكون إلا بتيسير سبله وتمكين المواطنين من القيام به ، من خلال الثقافة القانونية التي يتضمنها بحث الفقيه الكبير الدكتور محمد خفاجى من أجل الإسهام في بناء نظام انتخابى سليم يليق بمكانة مصر والمصريين  خاصة وأن الغالبية العظمى من الشعب بدأ يتبلور لديه الوعى الانتخابى المسئول ، لذا فإننا نعرض في الجزء الرابع من البحث الثانى المتفرد على النحو التالى :

جريمة استعمال القوة أو التهديد للصوت الانتخابى :

يقول الدكتور محمد خفاجى إن المشرع جرم استعمال القوة أو التهديد للصوت الانتخابى ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، كل من قام بأى من الأفعال الآتية : استعمل القوة أو التهديد لمنع شخص من إبداء الرأى في الانتخاب أو الاستفتاء أو إكراهه على إبداء الرأى على وجه معين.

جريمة الرشوة الانتخابية (إعطاء فائدة للتأثير على الصوت الانتخابى والعقاب يشمل الناخب في حالة قبوله) :

يقول الدكتور محمد خفاجى إن المشرع جرم اعطاء فائدة للتأثير على الصوت الانتخابى ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، كل من قام بأى من الأفعال الآتية : أعطي آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه  أو يعطى غيره فائدة لكي يحمله على الإدلاء بصوته على وجه معين أو الامتناع عنه وكل من قبل أو طلب فائدة من ذلك القبيل لنفسه أو لغيره.

ثالثًا : جريمة طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأى أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة.

يقول الدكتور محمد خفاجى إن المشرع جرم طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأى أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، كل من قام بأى من الأفعال الآتية : طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأى أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة.

وأشار خفاجى : ملاحظاتنا على صياغة طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأى أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة :

وأضاف بأن هناك ملاحظات هامة إزاء صياغة تجريم المشرع من فعل طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأى أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة من النواحى الخمس التالية :

فمن ناحية أولى: التقاط الناخب لصورة بطاقة إبداء الرأى على هاتفه ليست مجرمة لكنها مخالفة لمبدأ سرية التصويت:  

يقول خفاجى إن ما يلجأ إليه بعض الناخبين من قيامه بالتقاط صورة على هاتف المحمول لورقة بطاقة إبداء الرأى بما دونه عليها من اختيار للمرشح الذي يراه يكون خارج نطاق تجريم تلك المادة ، لأنها جرمت فقط الطباعة أو التداول لتلك البطاقة أو أي ورقة مستخدمة في العملية الانتخابية ، لكن القدر المتيقن منه أنها تعد مخالفة لمبادئ النظام الانتخابى لأنه يفض مبدأ سرية التصويت فهى مخالفة إدارية لكن لا تجريم فيه. والرأى عندى أنه إذا كانت فكرة الطباعة أو التداول جائزة بموافقة السلطة المختصة  فإنه من باب أولى جائزة لالتقاط الصورة على الهاتف ، شريطة الحصول على إذن من رئيس اللجنة بحسبانه السلطة المتصلة مباشرة بالناخب في لحظة تواجده في اللجنة ، لأن الحصول على موافقة الهيئة الوطنية للانتخابات لملايين الناخبين هو تكليف بمستحيل - وهو أمر يتنزه عنه المشرع المصرى - في جميع اللجان في وقت متزامن واحد. وأخذًا بالأحوط لرؤساء اللجان الفرعية ألا يسمحوا بالتقاط صورة لبطاقة إبداء الرأى احترمًا لمبدأ سرية التصويت. 

ومن ناحية ثانية : المذيع الذي يعرض بطاقة إبداء الرأى  على الجمهور دون إذن شريكًا في الجريمة بالتداول :

يقول الدكتور محمد خفاجى إن التقاط الصور يعد مقدمة لطبعها أو تداولها أو بالأدق هي الواقعة المنشئة لفكرة الطباعة أو التداول، ولكن القدر المتيقن منه أن التقاط صورة من الموبايل لورقة الاقتراع عليها اختياره يخل بمبدأ سرية التصويت كما ذكرنا ، وقد غم على المشرع المصرى أن يعتبر واقعة التقاط صورة بطاقة الاقتراع هي الواقعة المنشئة لفكرة الطباعة أو التداول ولم يتناولها بالتنظيم ، فلا يجب على المشرع أن يجعل التقاط الناخب المصرى لصورة ورقة الاقتراع فعلًا مباحًا ثم يجرم طباعتها أو تداولها رغم ارتباطهما، ومن بين أبواب التداول عرضها على شاشات الفضائيات أو على مواقع التواصل الاجتماعى ، ويعد المذيع الذي يعرضها على الجمهور شريكًا في الجريمة عن طريق تداوله الصورة على الشاشة لجمهور المشاهدين طالما لم يحصل الفاعل الأصلى على موافقة السلطة المختصة ، ولا يكفى حصول المذيع على موافقة السلطة المختصة دون حصول الفاعل عليها ، بحسبان أن الشريك يستعير عقابه من الفاعل ، أما إذا حصل الفاعل على موافقة السلطة المختصة على طباعتها وتداولها فلا يلزم المذيع الحصول على ذات الإذن لأن الفعل مباح من الأصل للفاعل ، فلا تجريم على الشرك.

ومن ناحية ثالثة : نص المشرع باباحة الطباعة والتداول بإذن السلطة المختصة  خارج عن السلوك المادى ويخالف مبدأى شرعية العقوبة وتفريد العقاب :

ويتساءل الدكتور محمد خفاجى كيف يكون الفعل مباحًا ومجرمًا في آن واحد بيد السلطة المختصة القائمة على أمر الانتخاب ، فإن لم يحصل على إذن منها غدت جريمة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، وإن حصل على الإذن يعد فعلًا مباحًا ، أي أن عناصر التجريم لا تستمد موضوعيًا من السلوك المادى المكون للجريمة وإنما من موافقة الجهة الإدارية المختصة وذلك ما يخالف مبدأ شرعية العقوبة وكذلك مبدأ تفريد العقاب بحسبان أن عدالة العقوبة الجنائية من أهم خصائصها، وتتحقق تلك العدالة بمراعاة تفريد العقاب عند التطبيق، وتفريد العقوبة هو ثمرة من ثمار العدالة في تطبيق القانون، يتمثل التفريد عند تسليط العقاب في إعطاء القاضي سلطة تقديرية واسعة لاختيار العقوبة المناسبة في نوعها ومقدارها للحالة الماثلة أمامه، وهو ما يعرف بالتفريد القضائي، إذ على خلاف التفريد القانوني أو التشريعي الذي يراعيه المشرع عندما يشرع الجزاء الذي يقره في النص الجزائي أما أن يكون فعل الجهة الإدارية متداخلًا محددًا التنقل بالفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة فذلك ما لا يتفق وقواعد العدالة في التجريم.  

ويضيف الدكتور محمد خفاجى قائلًا  والرأى عندى أن هذا النص فيما عقده من سلطة الموافقة على الفعل تارة يكون إجراميا وأخرى غير ذلك حسب حصوله على تلك موافقة السلطة المختصة القائمة على أمر الانتخاب من عدمه فيه شبه عدم الدستورية ، ذلك أن الدستور - في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية - نص في المادة (95) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع عن فعل وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء - في زواجره ونواهيه - هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًا كان هذا الفعل أم سلبيًا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه محورها دائمًا الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، وتدور معها وجودًا وعدما إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي ذاتها التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي نفسها التي تديرها محكمة الموضوع على حكم الفعل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ،  ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًا وماديًا عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي إذا وافقت عليها السلطة المختصة القائمة على أمر الانتخاب، نافية بموافقتها علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه.

الجريدة الرسمية