التعليم الياباني في أروقة المدارس المصرية
في عام ١٨٦٢ أرسلت اليابان بعثة الساموراي إلى مصر؛ للوقوف على التجربة المصرية في بناء الدولة الحديثة في عهد محمد على باشا، ويشاء القدر أن نعود نحن لنطلب يد العون نحو تطوير التعليم لنحقق دمج الطالب المصري مع آليات الحضارة الإنسانية.
وعندما بدأت تجربة المدارس اليابانية في مصر فقد لفت نظري أن التجربة تشير بشكل أو آخر لرغبة الحكومة في استنساخ تجربة تعليمية متفردة.
المجتمع الياباني متفاهم ومتناسق يقدس العمل والإنتاج لدرجة مفزعة ولا تجد فيه فجوات حضارية أو ثقافية بين الغني والفقير وتجد الانتماء الوطني نابع من شعور المواطن بتساوي الفرص مع تعليم يحقق ذلك وبلا واسطة... ورغم الحداثة فإن القيم والمبادئ التي تعود للثقافة اليابانية لم تندثر.
في دول كثيرة مثل الولايات المتحدة تتحدد جودة التعليم حسب مستواه الاقتصادي، ولكن ليس في اليابان التي تحتل مرتبة متقدمة في توفير فرص تعليمية متكافئة لكل الطلاب بغض النظر عن المستوى الاقتصادي، حسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن التقرير أشار إلى أن حجم التفاوت في اليابان لا يزيد على ٩٪ فقط، بينما يصل إلى ١٧٪ في الولايات المتحدة.
يصل معدل التخرج من الثانوية العامة إلى ٩٦.٧٪؛ لأن معدل التسرب التعليمي شبه منعدم وبما يؤهل المواطن لفرص عمل أفضل ويجعل المجتمع الياباني قادرًا على التفاهم والتعامل بصيغة علمية.
في مقال نشر في مجلة the Atlantic عبرت الكاتبة "الانا صمويلز" عن واقع اليابان بمقولة "قد تجد في اليابان مناطق فقيرة، ولكنك لن تجد مدارس فقيرة"، وتحدثت عن قرية "إيتاتي" التي تعرضت للتلوث الإشعاعي عقب كارثة محطة فوكوشيما ٢٠١١ ورغم أن أغلب المواطنين لم يعودوا ولكن جودة التعليم تنافس دول أوروبية على الرغم من أن عدد الطلاب لا يزيد على ٥١ طالبًا بالمرحلة الابتدائية..
"إنهم ينظرون إلى الحرمان من التعليم كمسئولية اجتماعية" هكذا علق "أندرياس شلايشر" عن تعامل المجتمع نحو قضية التعليم وهكذا ترسل الحكومة أفضل المعلمين والموارد إلى المدارس التي تقع في مناطق محرومة ويتدرب المعلمين على التعامل مع البيئات الأكثر صعوبة.
إن المعجزة اليابانية في الخمسينيات اتضحت معالمها عندما استطاع الشعب رغم قلة موارده وانهيار البنية التحتية والآلام النفسية للهزيمة والقنبلة النووية في تحدي الواقع وبناء مستقبله، بل الأغرب الانصياع التام للاحتلال الأمريكي بدون شعارات وطنية جوفاء، وإنما تحولت المشاعر الوطنية إلى الإنتاج والعمل بعد خلوة من محاسبة النفس عما بدر من الدولة اليابانية من اعتداءات نحو جيرانها أيضًا الخروج من الخزعبلات الدينية العنصرية نحو بناء دولة حديثة.
مع كل هذا لا تنفق اليابان الكثير على التعليم بما لا يتخطى ٣.٣٪ من الناتج المحلي وهو أقل من المتوسط لدول أوروبا وأمريكا لأن اليابان تعتبر القيم والأخلاق هي أساس جودة التعليم وليس المباني والكتب المكلفة، وبالتالي المعلم هو أساس الجودة.. لذا فرواتبهم عالية مقارنة بما يصرف على المنظومة التعليمية ويخضعون لامتحانات شديدة الصعوبة مع اختيارات دورية مع انخفاض أعداد الموظفين والإداريين، المعلم هناك هو رسول المبادئ والقيم في مجتمع يقارب المدينة الفاضلة.. فالمعلم هو القائم بنظافة المدرسة ودراسة سلوكيات التلاميذ وليس مجرد موظف.
الإبداع وحل المعضلات العلمية المعقدة هي اُسلوب تعليمي ورغم أن بعض مناهج التعليم أتت من الولايات المتحدة فإن تركيز المعلم على الإبداع والفكر النقدي وطرح المناهج بطرق إبداعية؛ لأن الإبداع والبحث العلمي هو سر تفوق اليابان وليس الصناعة كما يعتقد مواطنو العالم الثالث.
ركز المعلم الياباني على تأهيل الطالب نحو التكنولوجيا وأنشأوا منصات ريادة الأعمال لدعم مشروعات الطلبة المميزين بما يحقق حياة رغدة وفرصة لحياة كريمة للطالب محدود الدخل.
أرقام عابرة من واقع التعليم المصري:
٢٢٪ من المصريين في سن الدراسة ( ٦-١٧ سنة) بينما ٨٠٪ من الذين لم يلتحقوا بالمدارس هم من المناطق الريفية أيضًا تشكل الإناث ٨٢٪ من الذين لم يلتحقوا بالمدارس.
٥٠٪ من المتفوقين من المدارس التجريبية مقارنة ٩٪ من المدارس الحكومية أما الجامعات الحكومية فقد تخطت ١٧ جامعة ورغم أنها قد تعني مؤشرًا إيجابيًا فإن التأهيل لسوق العمل أصبح نقطة ضعف مما رفع نسب البطالة.
ويلاحظ أيضًا أن ثلثي الطلاب المقيدين بالجامعات هم من طلاب الكليات النظرية، في حين أن ١٧٪ هم طلاب الكليات العملية، وهو ما أدى لاعتماد مصر على الخبرات الأجنبية في مشروعات التنمية مع قصور شديد في المعاهد المتخصصة والتعليم الفني -تقارير منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي- هذا ما يؤخر مصر في تقييم التنافسية في الاقتصاد العالمي.
وعن قدرة الخريجين على تطبيق المعرفة المكتسبة في واقع العمل، فقد أجرت منظمة العمل الدولية مسحًا نتج عنه ٤١٪ من أصحاب العمل قدروا هذه القدرات بالضعف، وهنا تكمن مشكلة قدرة الموارد البشرية المصرية في استيعاب الاستثمارات الأجنبية.
٥٠٪ من أصحاب الأعمال الصغيرة من الشباب اعتبروا ما تلقوه من تعليم ضعيف لاندماجهم في سوق العمل، أصبح التعليم الخاص يهدف للربحية ووجهًا آخر للعملة ويعتمد الآليات البالية للتعليم الحكومي.
يوجد في المهجر ٨٦٠٠٠ عالم مصري منهم ٤٢ يشغلون منصب رئيس جامعة في أهم جامعات عالمية، بالإضافة إلى ٨٥٠٠٠٠ خبير في العلوم التطبيقية لتحتل مصر المركز الأول عالميًا في هذا الصدد.
مصر تحتل المرتبة ١٣٩ في جودة التعليم بين ١٤٠ دولة.
إن المساواة في التعليم ستحقق للدولة المصرية القدرة على توحيد المجتمع في وجهات نظر نحو تحدياته وقضايا تمس المجتمع ومصيره أيضًا سيتمكن المجتمع من التفاهم والتعاطي حول القضايا المختلفة من خلفية وثقافة متقاربة أيضًا تقديس العمل وإنهاء ظاهرة الواسطة (الفهلوة) ستخلق فرص عمل تحقق عدالة اجتماعية مستهدفة في خطة مصر ٢٠٣٠.