الكاتب الصحفي والإعلامي حمدي رزق: افتكاسات السلفيين عن الأقباط تكفي لقرون من الكراهية
- ثورة يناير أنهت فكرة الفرعون ووضعت رئيسين في القفص ومهاجموها «ناس طيبة»
- محبة الأقباط تحتاج إلى «توثيق ونص وتلت تربع»
- كتاب «كيرياليسون» حصيلة قراءات واحتكاك مباشر وحياة كاملة
- المتطرفون لم يقرأوا «حجة الوداع في الإسلام» لذا عندما قال أحدهم إن الكنائس مكدسة بالأسلحة «صدقوه»
- إذا لم تحل الأحزاب الدينية برغبتها ستكتب على الإسلاميين الفناء
- الفتاوى الدينية عن الحب وأدبياته تفكير ظاهري يجب أن يتوقف
بلغة أهل الصحافة، يعتبر الكاتب الصحفي حمدي رزق، واحدًا من "أسطوات المهنة"، يدرك جيدًا حجم موهبته، ويعرف متى يكتب وماذا يكتب ولمن يكتب.. دائما يقف على خط الوطن، لا يتركه ولا يقايضه.. الكتابة عنده قريبة الشبه بـ"الصولو".. العزف المنفرد، الذي لا تمتلك أمامه سوى التصفيق من فرط المتعة والموهبة في الوقت ذاته.
مؤخرًا.. طرح "رزق" كتابه الجديد "كيرياليسون".. وهو كتاب لاقى ترحيبا عريضا داخل الوسط الثقافي وخارجه أيضا، فالكتاب لم يدر في فلك الكتابة "المتكلفة"، أو كتابات المناسبات ولافتات "الأعياد"، بل جاء ليؤكد ما سبق وأن أكده التاريخ مرارًا وتكرارًا، أن الشعب المصري، وإن فرقته الديانة، فإن الوطن يجمعه.
"رزق" في كتابه يتحدث عن أوضاع الأقباط بعد ثورة 25 يناير 2011، أو ما وصفه بـ"عصر الاستشهاد الثاني"، قاصدًا العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان– المصنفة إرهابية- مصر، مطالبًا بحل الأحزاب التي ترفع شعار "إسلامية"، لأنها لا تمت هي أو أصحابها إلى الإسلام بأية صلة.
"كيرياليسون".. هدية يقدمها صاحب الكتاب لأجراس كنيسة مدرسته الابتدائية، والبابا الراحل شنودة الثالث، الذي قال له "ستدق الأجراس من أجل عيون حمدي رزق"، ولكل الأقباط.. شركاء الوطن.. فإلى نص الحوار:
بداية.. "كيرياليسون أو يا رب ارحم".. لماذا اخترت هذه الكلمة لتكون عنوانا لكتابك الصادر مؤخرًا؟
كنت أسمعه دائما في كنيسة عزبة النصارى بمركز منوف، في محافظة المنوفية، مسقط رأسي، عندما كنت طالبا بمدرسة الأقباط الابتدائية، وكانت المدرسة الوحيدة على مستوى المحافظة، التي لديها إجازة يوم الأحد؛ كان هذا شيئا مفرحا لنا، نسمع التراتيل المسيحية والأجراس، ونشاهد العلاقة الطيبة بين مدرس اللغة العربية، الحاج أحمد البهنيني، وأبونا، وبالتبعية كنا نقبل يد «الحاج وأبونا»، إجلالا وإكبارا لهما، وكنت أنا وألبير صديقي نجلس في «تختة واحدة»، ونشأت بيننا صداقة غير عادية، وكنت أذهب إلى منزله، ووالدته تصنع لنا الزبادي بالقشدة، وهي كانت أهم صانعة له في البلدة كلها.
هل يرمز طرح الكتاب بالتزامن مع أعياد الميلاد إلى شيء معين.. أم أن الأمر محض صدفة؟
ظللت أعمل على كتابي "كيرياليسون" ثلاث سنوات، وأنجزت كتابته في ثلاثة أشهر، والكتاب يعكس رغبة شخصية في تقديم هدية إلى إخوتي المسيحيين في عيد الميلاد، الذي أحتفل به مثلهم تماما؛ خصوصا أنه عيد مصري بالأساس، وكان هذا نص حديث بيني وبين العظيم الراحل البابا شنودة الثالث، عندما قرر عدم الاحتفال بعيد الميلاد، بسبب تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية؛ كان الوضع قاسيا للغاية، فخرجت بالتليفزيون المصري، وأكدت أن عيد الميلاد ليس مسيحيا، و«شنودة» هو بابا المصريين جميعا، ولن أسمح لأحد أن يفتئت على حقي شخصيا في سماع أجراس عيد الميلاد؛ وبالطبع عددّت سلبيات القرار، وفي اليوم التالي تلقيت مكالمة من بابا العرب، وقال لي "ستدق أجراس الميلاد من أجل عيون حمدي رزق".
لكن.. هل محبة الأقباط في حاجة إلى توثيق؟
«أوثق ونص وتلت تربع»، بالطبع محبة الأقباط تحتاج إلى توثيق، وتحتاج إلى "طبطبة" وتقوله أنت حبيبي، وتقف معاه في العزاء، وتقرأ ربع قرآن على المتوفى، وشاهدت ذلك بعيني، وهذا الكتاب تحديدًا، يوثق هذا الأمر في فصل كامل، أسميته «في فقه المواطنة الشعبية»، كما أن السبع السنوات العجاف الماضية، كانت صعبة جدا عليهم، من تفجير القديسين، لتفجير الكنيسة البطرسية؛ لذا أطلقت عليها "عصر الاستشهاد الثاني".
حديثك الدقيق عن تفاصيل العقيدة والعادات المسيحية.. تحصيل قراءات أم احتكاك مباشر؟
قراءات واحتكاك مباشر وحياة كاملة.
ما تصنيفك للأسلوب الذي استخدمته في كتابة "كيرياليسون"؟
المسألة ليست مهنة، وليس هناك قالب على الإطلاق، أنا كتبت ما أشعر به، وما أحتاج إلى توثيق وثقته، وعُدت للمراجع، وما هو ناقص استكملته، مثل شهادة اللواء عماد ميخائيل، الذي كان مرشحا لمنصب محافظ قنا، وتم منعه من على شريط السكة الحديد.
إن كانت العلاقة كذلك بين جناحي الأمة.. من أين ينشأ التطرف إذن؟
من الجهل بالآخر، هم لا يعرفون الإنجيل وليس لديهم نسخة منه، ولا يفهمون معنى المذبح ورمزيته في المسيحية، وأسرار الكنيسة السبعة، هؤلاء لم يقرأوا أصلا حجة الوداع في الإسلام، وبالتالي عندما يقول أحدهم إن الكنائس مكدسة بالأسلحة، سيصدقونه على الفور، فالجهل أساس الكراهية.
في الكتاب تتخذ موقفا صارما من الفتنة الطائفية والأمر ذاته يحدث في المقالات التي تنشرها.. صراحة هل لا تزال تتخوف منها؟
"الفتنة الطائفية" ثغرة خطيرة والكتاب يتصدى لها، ويتخوف منها.
هاجمت السلفيين بشدة في كتابك ونقلت كل فتاوى الدعوة السلفية وياسر برهامي ضد الأقباط.. ما الأسباب التي دفعتك لشن هذا الهجوم؟
لأن ما تم افتكاسه على أيديهم، خلاف لمحكم التنزيل، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، يكفي لقرون من الكراهية؛ هم يفتون بكراهية الأقباط والتحريض عليهم، لذا حللت فقه الكراهية ومصادره، وأكذوبة لهم ما لنا وما علينا، التي نطق بها "مرسي" خلال العام الذي حكم فيه الإخوان مصر، في الوقت الذي كانوا يكيدون فيه للأقباط.
من وجهة نظرك.. أي فصيل من الإسلاميين يعتبر الأخطر على الأقباط.. الإخوان أم السلفيين؟
عندما تتحدث عن الثعابين، لا تقل أيهم أشد سُميّة، لكن عليك أن تتحسب للدعة والسم، وتجهز المصل؛ لا يمكنك التمييز بين الثعابين واسمها، كلها من نفس الفصيل، وفي سلة واحدة، وإذا بدر من أحدهم ابتسامة، فهي ابتسامة صفراء، لا تدل على ما بداخله، فهؤلاء عندما لا يشجعون المنتخب المصري، ولا يقفون احتراما لعلم بلادنا، في الوقت الذي يسجدون للعلم الأمريكي.. ماذا نسميهم؟!.. من يتجول في طرقات الكونجرس، وهو يرتدي «كرافت» عليها العلم الأمريكي، وفي نفس الوقت يفتئت على الجيش المصري، الذي يحارب الإرهاب في الصحراء، فإذن هؤلاء لا ميثاق ولا عهد لهم.
لماذا طالبت في الكتاب بحل الأحزاب الدينية وتحديدا حزبي البناء والتنمية والنور؟
لأنها أحزاب دينية خالصة؛ ويجب أن نتخلص من سيطرة هذه الأحزاب على مقدرات الأمور في مصر، ورغم ذلك أقول إن الظاهرة ترشد نفسها، والوعي الشعبي والضغط السياسي، ودور المثقفين في عصر التنوير قادر على التخلص من هذه الظاهرة، وإذا هم لم يعوا ذلك، سيكتب عليهم الفناء.
تتحدث كثيرا عن المدنية والتنوير وتطالب بحل الأحزاب الدينية في الوقت الذي تثمن كثيرا أدوار الأزهر والكنيسة وهي مؤسسات دينية أيضا.. ما الفروق الذي تدعوك لنبذ هذا والثناء على ذاك؟
الرعاية الروحية شيء، وفكرة التدخل في الحياة السياسية والعامة شيء آخر؛ لذا كنت ضد الفتاوى التي خرجت من دار الإفتاء، لتحديد إذا ما كان عيد الحب حراما أم حلالا، ولهذا كتبت مقالا نقدت فيه هذا التدخل بعنوان «دبدوب دار الإفتاء»، وكذلك الفتوى في كيفيات عمل المصارف وما يسمى بالبنوك الإسلامية، والعلاقات السياسية، هذا تفكير ظاهري ويجب أن يتوقف.
الكتاب يتحدث عن دفتر أحوال الأقباط منذ عام 2011.. هل ترى أن ثورة يناير كانت كاشفة لما قبلها وما بعدها؟
بالطبع كانت كاشفة للجميع بما فيهم أنا.. فما قبل هذا التاريخ في حياتي، يختلف جذريا عما بعده، حيث إننى أصبحت أكثر موضوعية، وأقل استفزازًا، واستعملت عقلي أكثر من قلبي؛ كان قلمي شديد القسوة، فبدأت أترك مساحة لما بعد المقال، ولا أقطع خط الرجعة عليه، وابتعدت عن فكرة القطيعة مع البشر، خصوصا أني رأيت كل شيء في هذه السنوات، من تقلب القناعات والاتجاهات، واكتشاف معدن البعض، في ظل ما حدث من لحظات الجنون العاتية، خلال هذه السنوات الصعبة، فالدولة كانت تنهار، والبعض كان يرقص على جثتها؛ مصر كادت أن تضيع، واقتربت بالفعل من حافة السقوط مرات عدة، وكان ينقذها الله بحوله وقوته من المصير الصعب، الذي وقعت فيه بلدان عدة مجاورة.
وما ثمار ثورة 25 يناير برأيك والتي ربما لا يراها البعض الآن؟
كل الثورات تندلع وتترك آثارها الرهيبة على المجتمع، والثمار تأتي بالطبع بعد ذلك؛ في الحالة المصرية، أصبح لدينا شباب أكثر انفتاحا وتحررا، وأكثر تماهيا مع الدعوات العالمية، لدينا شباب من نحو ثلاثة أجيال، مختلفين تماما، وهؤلاء قصروا المسافة بيننا وبين العالم الغربي، خصوصا أنهم مسلحون باللغات الأجنبية والذكاء والثقافة، ولديهم إجادة لمهارات كثيرة، لا تتوفر لأجيالنا، ولن نذهب بعيدا، لدينا في الصحافة مثال.
فمن نحو 150 عمودا صحفيا أطالعها يوميا، أستطيع القول إن شباب المهنة بلغتنا «كاسرين السقف»، والموجة الشبابية في الكتابة مذهلة؛ طبيعي أن يكون جيلنا، بحكم أسباب عدة، متحفظ على الفوران في الكتابة، لذلك أريد من الشباب الفوران أكثر وأكثر، فكل ما أعاق تطور مصر هؤلاء حطموه، لذا كتاباتهم أكثر نضارة، وهذا هو الفرق بين جيل عجوز، وآخر شاب.
لكن هناك أصوات عديدة لا تزال تدين "يناير" حتى الآن وتهاجمها بشدة؟
«ناس طيبة»؛ ثورة يناير، هي التي أنهت فكرة الفرعون، كما أنهت حصانته، ووضعت رئيسين في القفص، كما أنهت «التأبيد في الكرسي»، ولن يحدث بعد الآن؛ هي أيضا التي جعلت من يحكم مصر، يتمنى رضا الشارع عنه، بعدما كان خارج حساباته؛ أتى إلينا رئيس من رحم ثورتين، أو ثورة متصلة إن شئت الدقة، يقول أيها الشعب العظيم، ويفتتح خطاباته وينهيها بالامتنان للشعب، وهنا السؤال: متى كان الفرعون ممتنا للعوام؟.. كانوا نسيا منسيا، الآن يُعمل لهم حساب كبير، وبالتالي حجم التغيير رهيب في العقلية والتفكير والأداء.
رغم انشغال الغالبية العظمى من المصريين بما يحدث الآن على الساحة السياسية، إلا أنك ربما ترى الصورة من زاوية أبعد وكتبت مقالا بعنوان البحث عن رئيس مصر 2022.. لماذا؟
لأن المسألة تراكمية، والأمر محسوم حاليا، نحن نحتاج الرئيس السيسي بشدة في هذه المرحلة لاستكمال إنجازاته، لكن يهمني للغاية أيضا مستقبل مصر بعد الأربع سنوات المقبلة في 2022، وكان هذا سبب كتابة المقال.
في الوقت الذي تتحدث عن مستقبل الحكم في 2022، هناك دعوات من قوى سياسية وأحزاب وبعض نواب البرلمان لتعديل الدستور وإطالة مدة الرئاسة إلى 6 سنوات.. بل هناك من يرغب في عدم تحديد مدد الرئاسة مثلما كان في السابق؟
"أومال إحنا مهمتنا إيه؟" هذا دورنا وكل القوى الوطنية لمنع تعديل الدستور، وقولنا ذلك عندما خرجت هذه الأحاديث والجميع انصاع؛ لن نعود لكم مهمل مرة ثانية، فالبعض لا يرى حجم التأثير والتغيير الذي حدث خلال الفترات الماضية، المصريون عوضوا 60 عاما من الجهل بالسياسة، والشعب أصبح مسيسا للغاية، وقبل أن تأتوا، وفور إذاعة بيان القوات المسلحة عن العملية الشاملة، كان الجميع هنا يقف على قدم واحدة، ليعرف محتوى البيان، هل هناك وطنية واهتمام بالشأن العام والسياسة كهذا؟
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"