نرفض زيادة المرتبات!
في كل أنحاء العالم، المتقدمة منها والنامية، تندلع الاحتجاجات من قبل العاملين اعتراضا على تدنى أجورهم ومرتباتهم، مطالبين بزيادات كبيرة في هذه المرتبات.. غير أن ما حدث في مقاطعة كيبك بكندا كان مختلفا تماما واستثناء من هذه القاعدة.. فقد انخرط نحو ٥٠٠ طبيب، ومعهم ١٥٠ طالب طب في احتجاج على زيادة مرتبات الأطباء، رغم أنها زيادة كبيرة.. بل إن احتجاجهم كان بسبب هذه الزيادة الكبيرة، رافضين لها!..
فهم يَرَوْن أن طواقم التمريض لم يحظوا بزيادة مماثلة.. والأكثر من ذلك يَرَوْن أن المرضى يواجهون صعوبات ومعاناة بسبب ضعف الخدمات الطبية المقدمة لهم.. ولذلك يطالبون بمراجعة هذه الزيادة الكبيرة، بل وإعادة توزيع الموارد الطبية بشكل أكثر عدلا سواء بين الأطباء وطواقم التمريض وأيضًا المرضى!
وهذا يترجم إيمانا قويا بواحدة من القيم الإيجابية في أي مجتمع، وهى قيمة العدالة الاجتماعية.. وهذه القيم ليس لها حضور محسوس في مجتمعنا والعديد من المجتمعات.. أي إن هذا المشهد الكندي يصعب أن نجد مشهدا مماثلا له لدينا للأسف الشديد.. ولعلنا نتذكر الهوجة التي انتابت كل مؤسساتنا بعد يناير ٢٠١١ للمطالبة بزيادات في الأجور والمرتبات كانت لا تقوى عليها ميزانيات هذه المؤسسات، وهو ما أسهم في تردى أوضاعها، والنموذج الصارخ هنا كانت المؤسسات الصحفية القومية التي كانت تحظى بقدر مناسب من الاعتماد على نفسها من قبل، وصارت الآن تعيش على الدعم المالى والمستمر للحكومة.
وربما يفسر ذلك أن ثمة إحساسا شبه عام لدى قطاعات عريضة من مجتمعنا بالظلم الاجتماعى، مظاهره عديدة.. ولن يزول هذا الإحساس حقا إلا بانتهاج سياسات تستهدف بوضوح تحقيق العدالة الاجتماعية، وليس مجرد توفير مظلة حماية اجتماعية لتخفيف آثار إجراءات الإصلاح الاقتصادى على الطبقات الأقل قدرة في مجتمعنا، ويقتضى ذلك مراجعات لسياسات الصحة والتعليم والضرائب والأجور، مع الدعم، ومواجهة الاحتكار والغش، والاهتمام الأكبر في كل المشروعات القومية بالفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، حتى تصل إليهم ثمار التنمية مباشرة، ولا ينتظرون ما تجود به لهم نظرية تساقط ثمار النمو الاقتصادى التي تحتجب عنهم.