رئيس التحرير
عصام كامل

البغاء الفكري!


أعلم أن عنوان المقالة صادم ولكن المعطيات التي أدت إليه تستحق ما هو أكثر، فعندما يطل عليك شخص يتحدث بكل ثقة عن الليل ليقنعك أنه نهار بل مليء بالشمس والحياة، فهذه ليست دعابة، إنما هي واقع، أصبحنا نعيشه في حياتنا بشكل متكرر وفي مناحي متعددة والأكثر سخرية أن تجد لهؤلاء الأشخاص مريدين ومؤيدين، بل المضحك أنهم يصنفون في مجتمعنا، نخبة ومثقفين وخبراء استراتيجيين وإعلاميين، على الرغم من أنهم عادم الهجاصين!


وعن أصل كلمة هجاص في اللغة وهي الكلمة الشائعة الاستخدام في هذا الزمان ليس فقط في مجتمعاتنا الشرقية، بل في المجتمعات الغربية أيضًا، نجد أن هذه الكلمة صفة تطلق على أي شخص يتحدث في أي موضوع، حديث يفتقد المنطق وليس له أي أساس من الصحة ويَصْل لدرجة الكذب والتضليل ويشترك كل من ينعتون بهذه الكلمة بالتفاهة رغم تحدثهم مرتدين عباءة الثقة والحماسة وكل هجاص تراه ثرثار، أحمق وأرعن، وتجد خلفه قطيعا من المهللين الداعمين لهذيه!

وعندما يصعد هجاص إلى منبر رأي فهذه كارثة مجتمعية بما تحمله الكلمة حرفيا، فهو يحمل فكرا لقيطا ليس له أب شرعي، هذا الفكر حملة في عقله سفاحا، نشهد معه كل يوم ميلاد فكرا لقيطا، يصل إلى عقولنا ويفسد فكر بَعضُنَا، ويصبح الاختلاف في تفسير الحقائق الدامغة والتي لا تقبل القسمة على اثنين، هو السائد والمتحكم في دحر السلام بين الأصدقاء والأقارب والأحباب والزملاء أبناء الوطن الواحد، ليس ذلك فحسب بل إن هؤلاء لا يوجد في وجههم حمرة للخجل، ولا أدري من أي جنس هؤلاء، فما يتجارون بِه، يجعل من تعمل بتجارة الهوي أكثر منهم شرف، فهي لا تفرض بضاعتها على أحد، أما هؤلاء أصبحو من مكونات حياتنا دون خيار، تختلف أسماؤهم ومنابرههم ووجوههم وأصواتهم ولكن الفكر واحد والمنتج واحد، هو الهجص!

وعندما يصبح الهجص أسلوب حياة، يذوب المجتمع في متاهات وأنفاق مظلمة، يصعب عليه أن يَصْل فيها إلى سكة السلامة، وتنتشر في مجتمعاتنا خصال شيطانية لم تكن من سماته الشائعة ويصبح التبرج الفكري موازيًا للتبرج الجسدي وهو نوع خطير من التبرج، يعزز القدرة على إثارة الغرائز الفكرية نحو الانحراف، والنتيجة مجتمع فاسد فكريا، يلهو أفراده في الثرثرة ويقل عملهم ويضعف إنتاجهم ويصبح أسير نفقه المظلم، وتصبح حياتنا ليس لها من دون الله كاشفة!

وللأسف وللحزن وللأسى، أصبح الكثير منا لا يميز بين الأبيض والأسود، فحين ترى أشخاصًا تعلم أنهم على علم ومكانة اجتماعية يشاركون آراء هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، معلقين بعبارات تأكيد على محتوى الهجص وكأنهم يكتبون عليها "بكر رشيد" والهجص عن ذلك بريء براءة الذئب من دم بن يعقوب، بل تجد بعض هؤلاء الأشخاص، يتفوقون على مريديهم من الهجاصين في التجويد والاعتناء بمنتجهم اللقيط، هؤلاء هم أنصاف المتعلمين وللأسف هم كثرة وللحزن هم أخطر على المجتمع من الجهلاء وللأسى.. هم من يسوقون للبغاء الفكري!
الجريدة الرسمية