رئيس التحرير
عصام كامل

عندما غاب العقل والوعي (٤)


إذا كان الشعب- كما هو معلوم - مصدر السلطات جميعا، وأنه هو الذي منح الإخوان حق الوصول إلى قمة هرم السلطة في مصر، في ٣٠ يونيو عام ٢٠١٢، وذلك عبر انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، فهو الوحيد أيضا الذي كان له الحق في أن ينتزعها منهم؛ سواء عن طريق الثورة عليهم أو عن طريق إجراء انتخابات مبكرة أو في موعدها..


وعندما قامت ثورة ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣، ما كان للجيش المصري أن يقف حيالها سلبيا أو متفرجا، بل فرض عليه دوره وواجبه أن ينحاز إليها، حفاظا على أمن مصر القومي وضمانا لعدم وقوع أي صدام بين الملايين الثائرة من جانب، والإخوان ومناصريهم من جانب آخر..

وبدلا من أن يراجع الإخوان أنفسهم، ويعيدوا حساباتهم، ويستدركوا ما فاتهم استعدادا لخوض انتخابات جديدة، إذا بهم- للأسف الشديد- يلجئون إلى الحرق والتخريب والتدمير وعمليات الاغتيال عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة.. حتى لو أنهم كانوا واثقين أن الفوز بالسلطة أصبح بعيدَ المنال وأنه لن يتحقق مرة أخرى عبر الانتخابات، فهذا يدل على أن السلمية ليست إستراتيجية ثابتة في منهجهم، وإن زعموا غير ذلك..

أنا لا أنكر على الإخوان أن يتنافسوا مع غيرهم من أجل الوصول إلى السلطة، لكن شريطة أن يكون التنافس سلميًا وديمقراطيًا.. وأتساءل: هل فقدوا الرؤية، أم الوعي، أم ضلوا الطريق؟ بل لماذا لم يقبلوا ابتداء باستفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، وساعتها كان من الممكن أن يفوزوا أو- على الأقل - يضعوا هؤلاء "الانقلابيين" الذين "تآمروا" عليهم في حرج أمام الشعب وأمام العالم؟ وساعتها أيضا، كان من الممكن أن يعطوا درسا لخصومهم أنهم يمارسون الديمقراطية فعلا، لا ادعاء، وأنهم لم يتخذوها سلما للوصول إلى السلطة.. وساعتها كذلك، كان من الممكن أن يجتذبوا الشعب، أو قطاعا كبيرا منه، للتعاطف معهم..

لو أن الإخوان فعلوا ذلك لتجنبوا وجنبوا الوطن الكثير من الضحايا وبرك الدماء.. إنها فتنة السلطة (أو بالأحرى فتنة فقدانها) التي تجعل أصحابها- أو من كانوا كذلك - يفقدون وعيهم، فلا يدركون الصواب من الخطأ، ولا يرون الخلاف الواضح بين طريق السلامة وطريق الندامة، ولا يلاحظون الفارق الكبير بين الصعود إلى قمة التل والهبوط إلى قاع السفح.. إنها فتنة السلطة التي تزين لأصحابها أنهم وحدهم أصحاب الحق، وأن غيرهم أصحاب الضلال!..

والحقيقة أنهم خسروا كل شيء، بل يخسرون كل يوم، والعقل والمنطق والواقع والتاريخ، كل ذلك يقول بضرورة إعادة الحسابات ومراجعة المواقف.. لكن هيهات هيهات!!
الجريدة الرسمية