محمود فتحي يكتب: ليست سوى مرضعة وآلة للولادة
يتصور كثيرون أن النساء لسن سوى آلة للولادة والتناسل، فهي الماعون الذي يحمل الأجنة طوال تسعة أشهر هي مدة الحمل، وهي المرضعة التي تقوم على عملية الإرضاع التي جبلها الله سبحانه وتعالى عليها، وهي المربية التي تقوم على رعاية شئون الأسرة، وهي القابلة التي تستقبل كل مولود يجيء إلى هذه الحياة، وهي ذلك الحضن الدافئ والصدر الحنون.
كما أنها آلهة المتعة والجمال، ولذلك فقد قرر كثيرون حصرها في هذه الأعمال التي خلقها الله من أجلها وقصروا أعمالها على هذه الأعمال التي فطرت عليها بحكم خلق الله تعالى لها، وتناسى هؤلاء أنها إلى جوار هذه الأعمال العظيمة كانت أنيس آدم في الجنة، وجليسه في بيته، هي أمه، وأخته، وزوجته، وقد تكون مكنون سره، وهي الملاذ الآمن لكل رجل، والصديق الصدوق حين الكرب والعسرة، وتاريخنا مليء بالنماذج الأنثوية التي قامت بهذا الدور إضافة إلى الكثير من أعمال الرجال، حيث وقفت أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- إلى جوار النبي حينما هبط عليه الوحي، وواسته بمالها وقالت مقولتها المشهورة: «والله لا يخزيك الله أبدا...».
وقادت شجرة الدر جيوش المسلمين لمحاربة التتار، وكان لأم المؤمنين أم سلمة دور جليل في صلح الحديبية لم ينسه التاريخ إذ كانت نموذجًا للمرأة صاحبة العقل الصائب والفضل في حفظ كيان الجماعة من التصدع، وكانت بمثابة المستشار الأمين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إثر الأزمة النفسية التي انتابت المسلمين بعد شروط صلح الحديبية وعودتهم للمدينة دون دخول مكة إذ اعتبروا ذلك نوعًا من الذلة، وحين طلب منهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل عودتهم إلى المدينة أن يحلقوا رءوسهم ويذبحوا الهدي تحللا من الإحرام، ولم يفعلوا ومنهم صحابته فكررها ثلاث مرات فلم يقم أحد منهم فدخل على «أم سلمة» رضي الله عنها غاضبًا قائلًا: «هلك المسلمون» وأخبرها بما حدث، فما كان منها إلا أن ردت قائلة: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَبُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ.. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بيده ودعا حالقه فحلقه.. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض.
وضربت السيدة أسماء بنت أبي بكر أروع الأمثلة في التضحية والفداء حينما شجعت ولدها على القتال وقالت له: «إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح» والتاريخ المصري القديم مليء بهؤلاء السيدات التي صنعن ما يصنعه الرجال حيث قادت حتشبسوت بقيادة الجيوش، وقاومت الأعداء، وصنعت إيزيس أسطورة أوزوريس، إذ راحت تبحث عن جثة زوجها حتى وجدتها، وأعادت إليها الحياة كما تقول الأسطورة وعادت لإقامة الخير والعدل على هذه الأرض.
وفي العصر الحديث هناك نساء صنعن الفارق، منهن بنت الشاطئ عائشة محمد، وصفية زغلول، ومي زيادة، ونبوية موسى، ولطفية النادي وعائشة تيمور، وروزاليوسف، وسهير القلماوي، ودرية شفيق، وسميرة موسى، وملك حفني ناصف، وهدى شعراوي، وغيرهن من النساء كثير.