محمية غنائية للمواهب
عندما قضت جنح المقطم بحبس الفنانة شيرين عبد الوهاب ستة أشهر، تبادر إلى ذهني مشروع لحماية المواهب النادرة، وشيرين موهبة نادرة، حنجرة قلما تتكرر، صوت يأخذك بعيدًا إلى مساحات من الرحابة والشجن، نغم يتسلل في الأعماق ينقلك إلى عوالم من التأمل، باختصار شيرين مثل نبتة نادرة الوجود، مثل المحميات الطبيعية التي تحتفظ بجزء من التاريخ البشري، أو الجيولوجي يجب الحفاظ عليها.
وحماية شيرين وكل شيرين لا يكون بعدم تطبيق القانون عليها، أو عليهم، وإنما بتطبيق قانون خاص وليكون قانون حماية المواهب النادرة.. في حالة شيرين يكون القانون ملزمًا لها بعدم الحديث في الشأن العام، وأمام إساءتها للنيل في واقعة البلهارسيا التي سقطت فيها يحكم عليها بالانضمام إلى قوافل مهندسي الري في أعماق أفريقيا، أو بحفظ قصيدة النيل نجاشي، أو بحرمانها من رؤية النيل لمدة محددة.
أمثال شيرين عبد الوهاب من الوجبات الدسمة التي جاءت في عصر التيك أواى، لم تجد شاعرًا عميقًا يلزمها القراءة والكتابة، وتذوق الشعر، لم تجد ملحنًا عبقريًا يلزمها حنجرتها ومسرحها وجمهورها، لم تجد صحفيًا يمنعها من الكلام، أو إعلاميًا يرسم لها لغة الحوار، شيرين وكل نعمة يهبها الله لنا بحاجة إلى مؤسسة ثقافية تضم نخبة من الكبار، يدركون أننا بصوت العندليب وثومة وعبد الوهاب عبرنا حدود الأزمات العربية، وصار اللسان المصري هو النموذج.
شيرين ليست في موقف العقاب بالسجن، فصوتها أعمق من أن نسجنه، شيرين واحدة من أدوات القوة الناعمة.. حافظوا عليها بمنعها من الكلام، واقتصار ظهورها على الغناء، والغناء فقط!!