يحدث في السلڤادور.. وإحنا قاعدين!
هل تعرف السلڤادور؟ لا يا سيدي هو ليس لاعب باريس سان چيرمان الجديد، ولا هو دواء للإمساك، ولا حتى راقصة روسية جديدة نزلت مصر لتمارس عملها في الكباريهات وفي أفلام (السبكي)، لكن السلڤادور دولة مُحترمة في أمريكا الوسطى، هي آي نعم غير مشهورة زي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، لكنها موجودة وليها حكومة وشعب وكمان حضارة.. آه وربنا حضارة!
ويمكن غلطتهم إنهم معملوش علينا حملة زي حملة (فريزر)، ولا كان عندهم (نابليون بونابرت) اللي طمع في مصر علشان يقطع طريق التجارة الإنجليزي، ولا امتلكوا مجرمًا زي السلطان العثماني (سليم الأول)، والذي غزا مصر واحتلها لثلاثة قرون ونهب خيراتها وقتل خيرة أبنائها ونسائها.. ولعلمك فظائع الاحتلال العثماني لمصر كانت أسوأ من فظائع الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، فإذا كان الصهاينة مجرمين وهذا لا خلاف عليه، فإن الأتراك ـ خاصةً طبقة الحُكام، وبالذات الحالي اللي عايش في دور الخليفة ـ لا يتخير عنهم!
فماذا يحدث في السلڤادور إذن وإحنا قاعدين؟ هناك يُطبَّق قانون مفيهوش رحمة، ولا علشان خاطري، وهو قانون لا يعرف (زينب) اللي معرفتها جابت كُل قوانيننا وأحوالنا للخلف، ولا ليهم في واحد ماشي ليل نهار بالمُخالفات وإيذاء الناس والمُجتمع والبلد وبيسيبوه بداعي إنه بياكُل عيش لأنه سائق توك توك أو ميكروباص، فأكل العيش لا يلزمه أبدًا أن تضر غيرك، وأرجوك تراجع مشهدًا أكيد رأيته سيادتك ذات مرَّة لطفل في السابعة أو الثامنة يقود «توك توك» أو موتوسيكلًا أو ميكروباصًا مُعرضًا حياة المئات للخطر.. فهل من حق الطفل ياكُل عيش ويقتل الناس؟ طيب الناس اللي هتموت دي مش من حقها تاكُل عيش؟!
يا سيدي ما علاقة السلڤادور بذلك؟ هقول لك حاضر: هناك تصل حدود تطبيق قوانين المرور للقتل، نعم القتل، هل تعلم أن عقوبة قيادة مواطن لسيارته وهو تحت تأثير الكحول (يعني مخمور ومدرمغ) تصل -تلك العقوبة- إلى حد الرمي بالرصاص؟ طبعًا حضرتك هتقول لي إن معندناش هنا ناس كتير بيسوقوا مخمورين، وطبعًا لن أستعين بمقاطع من برنامج «العاشرة مساءً» لنشطاء غبرة سياسيين أو فنانين نُص كُم اتمسكوا وهُما مخمورين، أو معاهم سلاح في عربياتهم أو بانجو، وبدلًا من أن يُطبق عليهم القانون -اللي مش رمي بالرصاص- صاروا أبطالًا لمُجرَّد إن البرنامج عاوز كده!
وسيبك من الكحول وأرجوك لا تتذكَّر مقطع ڤيديو اشتهر مؤخرًا لواحد يقود دراجة نارية -موتوسيكل يعني- على الطريق الدائري.. وما أدراك ما الدائري وهو "نايم على ظهره ومأنتخ"، آه والله، تخيَّل ده مُمكن يحصل له إيه؟ يقع ويموت.. في داهية هو حُر في حياته، لكن المُشكلة أن وقوعه هذا قد يتسبب في دخول تلاتين أربعين عربية وميكروباص وتريللا في بعضهم البعض جراء ذلك فيموت عشرات الأبرياء، هذا قاتل يتحرَّك على ضهره في الطريق بلا رادع، ولو اتمسك هيتقال حُرية شخصية، وهيلاقي ميت برنامج يدافع عنه تمام زي ما ضحكوا عليه وعلى خفة دمه وهو يستهين بأرواح البشر بهذا الشكل المدرمغ!
وتلاقي ناس جايبة صورة توك توك شكله حلو ومقطقط في مصر الجديدة، ويقولوا بفخر هذا هو التوك توك الذي لا يؤذي منظره العين واو شكله جميل.. يا سادة الله يقطعكم إحنا مُشكلتنا مع التكاتك ليس شكلها مُطلقًا لكن خرقها للقانون لحد ما أصبح القانون هو اللي بينضرب بالرصاص، لكن نقول إيه؟ هذه طبيعة إعلامنا ومجتمعنا، الاهتمام بالقشور والتفاهة وتجاهل ثم نسيان أصل المُشكلة؛ لأننا بنتعامل مع قشور فارغة وبنسيب المُشكلة نفسها تتفاقم لحد ما تبقى أكبر من القُدرة على أننا نفهم إنها مُشكلة أصلًا!
يا سادة، الطرق من أخطر عناصر البلاد، فهي أمان واقتصاد للملايين، وكذلك تصلُح كمشرحة للآلاف، وهل يحدُث في بلد غير مصر إن الميكروباصات تحتل نهر الطريق ومطالع ومنازل وقلوب الكباري؟ وهل يحدُث إن واحدة تبدأ تطلي أظافرها أثناء وقوفها في إشارة مرور، ولما الإشارة تفتح وهي في الصباع الخامس، تقوم مكمِّلة العملية عادي وهي سايقة؟ طبعًا وقتها أظافرها أهم من ألف روح مُمكن تدهسها وهي بتتأنتك، ناهيك عن سائقي الميكروباصات اللي بيفكوا من بعض عشرة خمستين على الطاير وهُما ماشيين، أو اللي مُمكن يدوس واحد بيعبر الطريق علشان كان مشغول بالخناق مع راكب مش عايز يدفع زيادة غير قانونية في الأجرة!
كُل هذه أمور أسوأ مليون مرَّة من القيادة تحت تأثير الكحول، فأرجوك تتخيَّل لو طبقنا قوانين السلڤادور، عندنا إحنا مُمكن نعمل إيه في الناس دي؟ مُمكن نعمل إيه في اللي بيركن صف تالت ورابع ليتحول نهر الطريق إلى ترعة راكدة "معفنة"، واللي بتقعد تقمَّع بامية وهي سايقة، واللي بيلعب جيمز على موبايله أثناء القيادة، أقسم لك بالله يا مؤمن أنا نفسي اتخانقت مع سائق ذات يوم لأنه كان بيلعب جيم على موبايله وهو سايق على طريق سريع، أي استخفاف بالأرواح ومُمتلكات الغير هذا، وأي اطمئنان لغياب تطبيق القانون بهذا الشكل؟ وفين الوعي الضروري؟ طبعًا مش موجود لأن إعلامنا بلا عقل أصلًا، أما القانون فلا يرغب أحد في تطبيقه إلا على الآخرين بعيدًا عن النفس والصحاب والجيران والحبايب.. وشوووبش!