رئيس التحرير
عصام كامل

رسول بؤساء فلسطين.. حكايات مصور «العيون الملونة» في شوارع غزة

فيتو

"كنت أبحث عن عود خشبي صغير بالأرض، ارسم به خربشات تتراءى أمامي في شكل لتفاصيل ووجوه قابلتها في حياتي، تطور الأمر حينما أردت أن أخلد كل تفصيلة جميلة تسقط عيني عليها، ولم أجد ذلك إلا من خلال التصوير".. هذه الفلسفة التي تحتوي على القليل من الكلمات، كانت هي دأب "فادي عبد الله ثابت"، المصور الفلسطيني، الذي استطاع أن يحلق بعدسته ويجوب مدن العالم شرقًا وغربًا، بينما هو قابع تحت سماء الحصار المفروض على مدينته "غزة".


"رسول بؤساء فلسطين" لقب اشتهر به فادي بين أوساط المصورين المحترفين والهواة،  بسبب صوره المميزة للمهمشين والقابعين تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي وعن سر تلك الصور يقول: "العلاقة بين عدستي وهؤلاء الأطفال علاقة مختلفة، وأقولها بكل صدق أصبحت سفيرا لهم ولبؤسهم وأنا أعتز وأتشرف بهذا التكليف الذي فرضته الكاميرا عليّ لأكون منهم ويكونوا مني.. الفوتوغرافيا مسئولية لمن أخذها بحقها وأكرر هي ليست للتسلية وقضاء الوقت هذه رسالة كبيرة" .


استحق "فادي" الأب لخمسة أولاد، وعن جدارة أن يلقب بصاحب الـ"سبع صنايع"، فهو بجانب احترافه التصوير منذ أكثر من عشر سنوات، حرص منذ سنوات عمره الأولى على ممارسة هواية الرسم وتأليف الشعر: "كنت أرسم على كل ما أراه أمام عيني من أوراق، وهنا بدأت أشعر بالاختلاف عن أقراني الصغار وكنت أشعر أن لي عالما مختلفا عنهم"، فضلا عن القدرة على رسم الأشكال المتعددة للخط العربي، وصولا لدراستي للتربية الفنية ، أنا حاصل على بكالوريوس التربية الفنية، وساعدتني الدراسة الأكاديمية في هذا المجال على تنمية مهارات الرسم والنحت، ومنها أصبحت متمكنًا من تطويع ما درسته في التربية الفنية، لخدمة هوايتي الأم التي وجدتها في سن متأخرة وهي التصوير" .


في عيونهم دائما تختبئ الحكايات والقصص لكل قصة بطلها الخاص، تقرأها جلية خلال انعكاس عدسة فادي: "هذه الكاميرا والعدسة مُسيرة لا أعرف كيف، لكنها كما الصياد تحتاج إلى الصبر ولكن في أغلب الأماكن كان الله يرزقني بالصور وكان الناس يعتقدون أنني أبحث عن العيون الملونة والأطفال البائسين، لكن الحقيقة أن الله يسوقهم إليّ سوقا، وكأن الرسالة هي إظهار قصص الأطفال الذين أكلتهم الحرب وأعيتهم الصدمات النفسية من الواقع الأليم الذي تخلفه الحروب وصوت الطائرات الحربية والقصف المُركز وأصوات الانفجارات المتتالية"، يتحدث فادي عن سر اختياره لأصحاب العيون الملونة من الأطفال وكبار السن في معظم صوره.


يستيقظ فادي يوميا في الصباح الباكر، يجوب شوارع غزة المنهَكة، يلتقي أبطال صوره في الطرقات وأمام المنازل، فلهذا السبب ينزل من بيته كل يوم، بعد أن ترسخ في ذهنه أنه من خلال كاميرته الفوتوغرافية، يمكنه أن يصبح نافذة تطل على العالم من قلب غزة: "نحن في غزة عشنا ونعيش ظروفا صعبة للغاية، كل شيء معقد جدا حرمنا من أبسط الحقوق التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف للأطفال، لذلك كأن الله يريد أن تصل رسالة هؤلاء الأبرياء ولو عن طريق مصور فوتوغرافي".


"كان لا بد من تبنى موقف أو قضية خاصة في مدينة كمدينة غزة التي أرهقها الموت والظلمة والحصار وانقطاع الكهرباء وكأن الله يريد لمن يعيش في ظروف غير عادية أن يكون أيضا غير عادي ليحاول جاهدًا حمل جزء من الدفاع عن قضايا وطنه وأهله"، لم يكن كبار السن، وعجائز مدينة الحصار بمعزل عن كاميرا فادي، فبعد كل هجوم إسرائيلي على القطاع، كان حريصًا على التواجد وبقوة، لنبش الأنقاض، والبحث عن وجوه ما زالت تبحث عن أمل في الحياة مجددًا، ولو بابتسامة ترسم على وجه شيخ، بعد أن يجد وجهه على شاشة الكاميرا.

يستطرد فادي "رحلة البحث من أجمل وأنقى وأشقى الرحلات فمن خلال البحث تعثر على أبطالك الحقيقيين الأبطال غير المزيفين"، رسالة الفوتوغرافيا عند فادي ليست فقط للتسلية والترفيه، بل هي رسالة نبيلة وتأمل في مخلوقات الله، والاحتفاظ بها جامدة، بعيدًا عن تقلبات الزمن.


حصل فادي على العديد من الجوائز المحلية والعربية، في مجال التصوير الصحفي، أهمها الميدالية الذهبية والمركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي، وفي جمهورية مصر العربية.

كما حصل على جائزة عبد الرازق بدران المركز الأول مكرر مرتين عن فئة آراء الحكام بالمملكة العربية الهاشمية، وجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للتصوير الضوئي والميدالية المتميزة عن محور التحدي بدولة الإمارات العربية وجائزة المنظمة العربية عن محور البورتريه وشهادة الأورد بجمهورية مصر العربية، فضلا عن العديد من شهادات ودروع التكريم داخل الوطن.

ويطمح فادي أن يقيم معرضًا خارج غزة يضم 1000 صورة تحت عنوان "نافذة على غزة"، لإيصال رسالة شعبه عن طريق "الفوتوغرافيا".
الجريدة الرسمية