«وهم» المليارات في قانون المخالفات
من هو العبقري الذي أفتى بأن التصالح في مخالفات البناء سيجلب لخزينة الدولة 200 مليار جنيه؟ ومن هو العبقرى صاحب فكرة التصالح من الأساس؟ هذا القانون باختصار ليس سوى مكافأة مجانية لمواطنين فوضويين استغلوا حالة غياب الدولة الكامل منذ 7 سنوات في ارتكاب جريمة يستحقون عليها العقاب الرادع وليس التصالح.
ثم.. من الذي سيجبر أصحاب هذه الشقق المخالفة على دفع مثل أو نصف أو حتى ربع تكلفة المبانى المخالفة حسبما ينص مشروع القانون المقترح، بينما هم يتمتعون بإدخال كل المرافق من كهرباء ومياه وغاز وصرف صحى مثلها مثل الشقق التي التزم أصحابها باستيفاء كل الالتزامات القانونية للدولة.
يتناسى ويتجاهل من يقومون بإعداد مشروع هذا القانون أن صاحب العمارة الذي بنى شققا مخالفة لم تعد له علاقة بها بعد أن تربح منها بضعة ملايين، وأن من يسكن في الشقق المخالفة أشخاص اشتروا منه، وبالتالى يظل السؤال: هل القانون سيفرض غرامة على الشخص الذي بنى شققا مخالفة في العمارة التي بناها، أم على مالك الشقة الحالى الذي اشتراها وهو يعلم بالمخالفة، هذا سؤال جوهرى يجب أن تنتبه له لجنة صياغة القانون وتحدد من هو المستهدف بدفع الغرامة التي تبلغ مثل تكلفة المخالفة.
إن تزويد العقارات المخالفة بكل المرافق هي جريمة مكتملة الأركان، ودليل دامغ على أن فساد المحليات وصل للركب، فلو أن من يبنى مخالفًا يعلم أن شقته ستكون بيت أشباح بلا مياه أو كهرباء أو غاز أو صرف صحى وأن هناك دولة قانون ستمنعه من إدخال المرافق بها، لارتدع وقضينا على هذه الظاهرة.
عندما تواجه مسئولى وزارة الكهرباء بخطيئة توصيل تركيب عدادات رسمية وتوصيل التيار الكهربائى لشقق المخالفين، يقولون "كده أو كده هم يسرقون الكهرباء، وبدلا من سرقتها بالمجان تستفيد الدولة وتحصل منهم على قيمتها"، وعندما تسأل المسئولين عن منع سرقة الكهرباء لن تجد من يرد عليك لأن الدولة غائبة، نفس الكلام سيقوله مسئولو شركات المياه والغاز والصرف الصحى، إذن المنظومة كلها تبدو في النهاية وكأنها تشجع وتكافئ المخالفين.
أنا شخصيا كنت قد قررت منذ عدة سنوات أن أكون إيجابيا في المنطقة السكنية التي أعيش فيها، وأثناء فوضى البناء التي تلت ثورة يناير كان مالك عمارة مخالفة مجاورة لى يشرع في المخالفة، وذهبت إلى الحى لتقديم شكوى، ولكن المسئولين هناك أبلغونى بأن عليَّ أن أذهب ببطاقة رقمى القومى لقسم الشرطة التابع له محل سكنى وأقدم بلاغا ضده، والسبب –كما قالوا لى وقتها- أن ملاك العمارات يستعينون ببلطجية يعتدون على موظفى الحى الذين يذهبون لتفقد ومنع المخالفات، وبالطبع لم أذهب وقتها لقسم الشرطة إيثارا للسلامة، وبنى الرجل بأريحية دورين كاملين مخالفين بواقع 4 شقق في الدور الواحد، ثم أكمل بشقتين مخالفتين فوق سطح العمارة وأتى سريعًا بأشخاص ليقيموا في هاتين الشقتين كنوع من التحايل وإيهام من يفكر في الإزالة أن بها سكانًا.
بعد تلك الواقعة بسنوات، ذهبت إلى الحى للإبلاغ عن عمارة أخرى مجاورة يشرع مالكها في ارتكاب نفس المخالفات، فأبلغونى أن عليّ ألا أنتظر بعد تشييد أساس العمارة وأبلغ، بل أتقدم بالبلاغ قبل شروع المالك في البناء حتى يتمكنوا من تدارك الموقف، وقد فعلت ما طلبوه بالإبلاغ "الاستباقى" في عمارة ثالثة ورابعة مجاورة عليهم يتداركون الموقف ويمنعون المخالفات قبل الشروع فيها، ولكن بكل أسف صارت كل العمارات الجديدة في شارعنا ومحيط سكننا تتقدم مترين إلى الشارع عن العمارة المجاورة لها وتتقدم كذلك لتلتصق بالجار يمينًا ويسارًا دون ترك المسافة القانونية وتصعد إلى عنان السماء بأدوار مخالفة وتخرج لسانها لكل مسئولى الحي، وتؤكد أن الفساد هو سيد الموقف وأن الدولة الرخوة مازالت مستمرة وأنه لا أمل في عودة دولة القانون.
وإذا كانت أجهزة الدولة لا تتحرك ولا تهتم إلا بتعليمات مباشرة من الرئيس السيسي ومنها مثلا ملف استرداد الدولة لأملاكها المعتدى عليها، فإننى أطالب الرئيس بأن يصدر تعليماته إلى المحليات والشرطة والمحافظين بإزالة أي شقة أو مبنى مخالف فورًا وبلا هوادة وبحبس أي مالك يخالف وأى مسئول يتقاعس عن الإزالة، وأتمنى أن يتضمن قانون التصالح في المخالفات بندا يلزم المخالف سواء المالك الأصلى للعمارة أو مشترى الشقة من المالك بدفع مثل التكلفة حتى ولو كان هذا البند هو الحبس، بدون ذلك لا تنتظروا أن يدخل خزينة الدولة مليم واحد من هؤلاء الفوضويين وسيؤول القانون إلى لا شيء، وستبقى المبانى المخالفة تخرج ألسنتها للدولة والقانون.
باختصار.. لن تنهض دولة جعلت من سياسة "الطبطبة" منهجا في التعامل مع المخالفين، وكأنها ترسى شعار "خالف وادفع"، وهو نفس المنهج الذي اتبعته مع رموز نظام الفاسد مبارك "اسرق وادفع".
>> سؤال لوجه الوطن: كيف لدولة تحارب الإرهاب بضراوة وتنتصر عليه لتعطى درسًا بطوليًا للعالم الذي يكتوى بنيرانه في كيفية القضاء عليه، أن تكون عاجزة عن القضاء على حالة الفوضى المجتمعية في الشوارع والمرور والتكاتك والدراجات البخارية والشاحنات والانفلات السلوكى للناس والبناء المخالف والسرقات وتثبيت الناس في وضح النهار والأسلحة النارية التي مازالت في يد الكبير والصغير والباعة الجائلين وغيرها؟
يا سادة.. الفوضى المجتمعية المستمرة منذ 7 سنوات لا تقل في خطورتها وتداعياتها عن الإرهاب.