روائع الخيانة في السينما المصرية (2)
ينتهى الفيلم عندما يحمل الضابط فؤاد حسين بين يديه جثة حبيبته (سمارة) بكل حسرة.. يبكى بحرقة وقهر ويُبكى المشاهدين معه على فقدان حبيبة القلب التي غدر بها زوجها سلطان بعدما إكتشف خيانتها له، وعشقت الضابط الذي تخفى في هيئة شاب ضائع تاجر للمخدرات اسمه سيد أبوشفة! ينتهى الفيلم بهذه البكائية المؤثرة والتي أضفت لشخصية سمارة بعدًا رومانسيًا وروحانيًا.. وأيضًا بطوليًا وطنيًا رغم أنها في الواقع ووفقًا لسرد الأحداث في القصة مجرد خائنة.. لكنها الخيانة الرائعة والتي لها شق رومانسي وآخر وطني!
تم عرض هذا الفيلم في مارس من عام 1956، ووفقًا لمؤرخي السينما، نال الفيلم استحسان الكثير من الجمهور الذي لم يتوقف قليلا أمام شخصية (البطلة) سمارة، والتي عمل مخرج الفيلم حسن الصيفى على إقناعنا بأننا أمام سيدة عظيمة تتحلى بصفات الشهامة أو بالبلدى الجدعنة، رغم أنها مجرد راقصة تتمتع بقوام جذاب وتاريخ أسرى مقزز.. أم راقصة أيضا وأب قاتل.. هذا وفقا لسيناريو الفيلم والذي كتبه الممثل محمود إسماعيل، والذي جسد دور البطولة أمامها في شخصية زوجها المعلم سلطان، ورغم كل هذا أحب الجمهور شخصية سمارة والتي خانت زوجها وولي نعمتها وشريكها في كل جرائمها.. لكنه الحب يا سادة، وليس أي حب إنه حب ضابط أي أن للموضوع بعدًا وطنيًا أراه زائفا ومتهافتا وهداما لأن الضابط لا يخون ولا يرضى لنفسه أن يبيع مبادئه وواجبه المقدس من أجل راقصة كل مؤهلاتها قوام ممشوق وجسد ساحر ونفس دنيئة خوانة!
بعد انتهاء عرض الفيلم سينمائيا ونجاحه الكبير المادي والجماهيري، قام نفس السيناريست الفنان محمود إسماعيل بمشاركة زميله كاتب الحوار عبد المنعم السباعى بعمل (ربتوار) أو إعادة صياغة لنفس القصة إذاعيًا، مع اختلاف في بعض الممثلين، وهنا تصدمنا بعض مقولات بعض الممثلين الذين شاركوا في العمل مثل السيدة سميحة أيوب، والذين أكدوا أن شوارع القاهرة كانت تخلو تمامًا من المارة أثناء عرض حلقات المسلسل، بل إنهم ادعوا أن مجلس الوزراء المصرى كان مقررًا انعقاده في حضور رئيس الجمهورية حينها جمال عبد الناصر ولكن قوة المسلسل وجماهيريته، وشغف السادة الوزراء به أدى لتأجيل الاجتماع!
قبل أن تتوقف عند مغزى تلك الواقعة التي أنقلها من تصريحات أبطال العمل، يجب أن تتوقف قليلا عند شخصية سمارة والتي عشقها الجميع رغم طبيعة عملها كراقصة شرقية في مجتمع يصف نفسه دومًا بالتدين أو على الأقل بالمحافظ على تقاليده وأعرافه.. لكن ربما كان الشعب قد تأثر بسينما الأربعينيات والخمسينيات التي حاولت دوما إقناعه بأن الراقصة شريفة ومحترمة ومستقيمة وتقدم فنًا راقيًا.. ربما..
ولكن في حالتنا، نجد امرأة خائنة تقدم نفسها لمن تهواه بكل سهولة ولا تعبأ بزوج أو بعرف أو بدين.. خائنة صورها لنا العمل الفنى كملاك رقيق يقوم بدور وطنى رغم أنها أحبت الضابط في صورة المهرب وتاجر المخدرات قبل أن تعلم حقيقته.. نعم تذكرت الوطن فجأة بعدما أقنعها الضابط أنه سيتزوجها بعض القبض على زوجها المجرم (الوحش الكخة يعنى) سلطان!
هنا يجب أن نراجع أنفسنا قليلا ونفكر بموضوعية في مدى تمسكنا يقيمنا، ومدى صمود تلك القيم أمام عمل فنى لا يتجاوز 120 دقيقة.. هل تأثرت هويتنا بالسينما إيجابيا أم سلبيا، وهل هويتنا هشة لهذه الدرجة.. بالقطع (سمارة) ستكون فقرة مؤثرة في إجابتك.
fotuheng@gmail.com