رئيس التحرير
عصام كامل

جوني.. خريج معهد «طاقة نووية» و«بلياتشو» من «الصعيد الجواني»

فيتو

تحت بند "العادات والتقاليد"، يعيش أهالي محافظات الجنوب حياة واضحة المعالم، حياة لا تعترف بالرفاهية، ولا تنطق أبجدية المتعة، إلا في حدود، أشياء كثيرة لا يمكن أن تمر من أسوار "العادات" مرور الكرام، فالجميع هناك ملتزمون بخط الحياة المرسوم لهم من قبل أن يولدوا، وأى محاولة للخروج عن الخط، أو إضافة طريق جديد، في غالبية الأوقات يكون مصيرها الفشل.


"بلياتشو في قنا".. حتى سنوات قليلة مضت، كان من المستحيل أن يظهر شخص يرتدي ملابس ملونة، ويضع على وجهه مساحيق، وأنف كبير أحمر، غير أن جرجس يوسف، المعروف بـ"جوني"، تمرد على واقع الجنوب، بعدما قرر كسر جمود الواقع، والنزول إلى "كافيهات" مدينة قنا، مرتديًا زي المهرج، ورغم صعوبة الأمر والخوف من الفشل في أول ظهور له، إلا أن التجربة كانت مليئة بالمغامرات والقصص، على مدى 9 سنوات في قنا.

9 سنوات.. قبلها بيوم بدأت تجربة "جونى" وشخصية البلياتشو في "قنا"، وعن السنوات تلك قال: تخرجت في معهد الطاقة وعملت بعدة وظائف بإحدى شركات الأدوية وتقلد عدة مناصب بها، وفكرت في احتراف شخصية المهرج منذ أن بدأت أشاهد سعادة وفرحة الأطفال بهذه الشخصية، بعدها قررت دراسة الشخصية ومتابعة كل ما هو جديد في هذا العالم، وسافرت عدة مرات إلى القاهرة للتدريب والدراسة واختيار ملابس الشخصية حتى وصلت حاليًا إلى درجة تصميم الملابس وتخليت عن وظيفتي وكل شيء في حياتي؛ من أجل شخصية المهرج.

مضيفًا: كان لدي عدة مخاوف، أبرزها رفض الناس لي، خاصة في الصعيد، والفشل الذي يمكن أن يجعلني أتراجع عن الاستمرار، وكان هذا بمثابة أصعب اختبار لي، حيث قررت الظهور في "كافيه" من الكافيهات المنتشرة في وسط مدينة قنا، وشاهدت رد فعل المتفرجين بهذا اليوم، وكان الأغلبية لديهم سعادة كبيرة جدا، وبخاصة الأطفال، وسعى الكثير منهم للتصوير معي.

وحول الصعوبات التي واجهته في بداية مشواره، قال: واجهت صعوبات عديدة خاصة من الرافضين لشخصية المهرج، واعتبارها شخصية صغيرة جدًا، ومكانها الطبيعي السيرك أو التليفزيون وبرامج الأطفال، لكن ظهورها بهذا الشكل على الطبيعة في الحفلات والكافيهات كان بمثابة انقلاب كبير جدًا في حياة الصعايدة، وتلقيت تعليقات من جانب البعض، أغلبها "كان تريقة وإفيهات للتقليل من الشخصية والسخرية".

وعن كيفية التعامل مع مثل هذه الصعوبات: "كنت بَعَدي أي حاجة ترجعني عن هدفي في إسعاد الناس وبخاصة الأطفال، ولم أتخل يومًا عن رسالتي، ورغم أننى كنت أعمل بإحدى شركات الأدوية بوظيفة مرموقة، وكنت أتقاضى راتبا كبيرا، لكننى لم أستمر في العمل بها، وتمكنت من الاستمرار مع شخصية "المهرج" على مدى 9 سنوات، ولم أتوقف لحظة عن تطوير الشخصية من لبس ومكياج وغيرها من الأدوات، التي جعلت الشخصية مميزة في الصعيد بهذا الشكل وقمة السعادة بالنسبة لي عندما أجد الجميع يسعى للتصوير معي".

وتابع: اختيار الألوان أهم شيء في شخصية المهرج، ويختلف الأمر من مناسبة إلى أخرى، فهناك ملابس وشخصية لا تتوافق مع أعياد الميلاد، أو تقديم مواد تعليمية للطلاب في صورة المهرج، المناسبة هي التي تجعلني أحدد اللبس والمكياج والألوان والفقرات، وشخصيات الكرتون الجاذبة للأطفال، وحتى اليوم أمتلك أكثر من 9 بدل.

وعن تصميم هذه الشخصيات، قال: أصمم بعض الشخصيات وأشتري جميع مستلزماتها حتى الحذاء، وغالبية هذه الأدوات أسعارها مرتفعة بشكل كبير، لكن هذا لا يهمني، فما يهمني في هذا الشأن التميز، وإخراج الشخصية بأحسن حال، كما أنني في بعض الأوقات أشترى هذه الاشياء من قبل متخصصين ومنهم في خارج الصعيد، نظرًا لعدم وجود أي مستلزمات مما أحتاجه في الشخصيات التي أؤديها.

"جونى" أكد أنه لن يتوقف عن لعب دور "البلياتشو" وسيظل في طريقه لإسعاد البشر، وتقديم شخصيات متميزة، والمشروع بدأ منذ 9 سنوات، ولا يزال مستمرا، وسوف يكمل حتى النهاية، مشيرًا إلى أنه يخطط لزيارة قرى ونجوع محافظات مصر.

وعن كيفية تعامله مع أطفال النجوع والقرى قال "جوني": بتعامل معهم بشكل بسيط جدًا، وأبحث في عيونهم أولا عما يسعدهم، وأبدأ في تنفيذه على الفور، ولا أحد يستطيع إنكار أن أطفال الصعيد يحتاجون الفرحة والبسمة، وإسعادهم يبدأ بأشياء بسيطة، مثلا بلونة، تجد الطفل عيد وبيضحك، وفي الغالب هم يحبون اللعب والشخصيات الكرتونية التي يشاهدونها في التليفزيون، إلى جانب الألعاب السحرية والفقرات الغنائية، وأحيانا أقدم لهم التوعية الصحية في صورة الشخصيات الكرتونية، وبخاصة بعض المواد الغذائية الضارة بالنسبة لهم.

"جونى" أكد أن عمله يعرضه لعديد من المخاطر، منها المكياج الذي يتم وضعه على الوجه بكميات كبيرة جدًا، حيث قال: "أخشى من الإصابة بالسرطان يوما بسبب المكياج".

وأضاف: لا أحلم بالسفر إلى الخارج، لكن إذا جاءت الفرصة سوف أسافر للاحتراف وتعلم فنون جديدة في هذه الشخصية، لكننى سوف أعود لتقديم ما تعلمته في بلدي وهذا الكلام لا جدال فيه.

وحول تقديمه شخصية البلياتشو في دور المسنين ومستشفيات الأطفال؟ فرد "جوني" قائلًا: "لا أتردد لحظة في هذا الأمر ونزلت بالفعل في مستشفى 57357 وشاهدت الألم في عيون الأطفال، وسوف أكمل هذا الأمر في قنا، من خلال الاحتفالات بعيد الأم، ولن أرفض أي مبادرة غرضها رسم البسمة والضحكة على وجه الأطفال والأمهات في الصعيد".

"جونى" بين ضحكاته يحمل حلما يتمنى تحقيقه، قال عنه: "أحلم بتأسيس مدرسة لتعليم فنون البلياتشو في الصعيد أو أكاديمية أعلم فيها الأطفال من مسلمين ومسيحيين كل الفنون الغناء والرقص والرسم، وأن يكون هناك جيل صغير من المهرجين؛ ليتقنوا هذا الفن.

وقبل أن يصل الحوار إلى محطته الأخيرة مع "مهرج الصعيد" الأول، طالب "جونى" الحكومة المصرية بأن يكون هناك وزير للسعادة قائلًا: "هو ده صعب ولا كتير علينا كشعب عاني على مدارس سنوات من الألم والهم والتهميش فمصر من أكثر البلدان التي يوجد بها مشكلات"، فهناك وزير لكل شيء يخص ما يحيط بالإنسان، لكن لا توجد وزارة تخص حياة الإنسان.
الجريدة الرسمية