روائع الخيانة في السينما المصرية (1)
قد تحملك السينما والأعمال الدرامية لعوالم رحبة من الجمال والرقي والتسامي، الذي لا يناقض الواقع بل يعكسه مجملا منمقا.. أو قل كما ينبغي أن يكون، أو أحيانا يضيف إليه لمسة مثالية ساحرة قد تلامس سماوات الخيال، وقد يحدث العكس وترى هذا الواقع ملطخا بكل دنس ممكن لدرجة تشعرك بالتقزز والنفور الشديد.. وبين هذين البعدين أو النقيضين تكمن خطورة الأعمال الدرامية والأدبية، التي تجنح بك بعيدا عن النقيضين فتلقي لك بحكايات شديدة القرب من الواقع ومن محيط الحياة الفعلية لك ولغيرك فتصدقها وتتأثر بها، بل إنك تسعى لتصديقيها بعدما شعرت باقترابها منك.. وهذا هو الخطر بعينه، لماذا؟
بعيدا عن المقولات الرتيبة والمكررة التي أمقتها من كثرة تهافتها مثل (دس السم في العسل)، تجد أن كثيرا من الأعمال السينمائية سواء المقتبسة من نص أدبي روائي، أو تلك التي استنزفتها عقول بعض كتاب السيناريو، قد نجحت بالفعل في تشويه كثير من القيم الإنسانية النبيلة وتحويلها لمسخ مضاد، هذا فضلا عن إلباس الحق باطلا، خاصة في تسمية الأشياء بغير مفهومها المتعارف عليه إنسانيا ومجتمعيا وأخلاقيا.. ودون تحرج، دينيا، ذلك لأن مجرد ذكر كلمة الدين عند البعض صار مرادفا للرجعية والتخلف!..
فمثلا تسمى العلاقة غير الشرعية المحرمة بين رجل وامرأة بالصداقة وليست باللفظ الصحيح وهو الزنا والمرأة، التي تبيت في بيت رجل محرم عليها بالصديقة وليست بالساقطة أو العشيقة أو بائعة نفسها.. وتسمى الابتذال والتعري فنا وتسمى الخيانة الزوجية حبا، بل إن كثيرا من تلك الأعمال قد تسللت لوجدان المصريين والعرب وبدأت فعليا في طمس هويتهم وبنيتهم القيمية بفعل التعود والتكرار حتى وصلنا لمرحلة (سابع جار)، فتعاطف البعض مع فكرة الفتاة الحشاشة والسَّكيرة (الكيوت) نزولا لمستنقع ما يسمى بالأم العزباء..
هل تناسى الكثيرون أنه لا توجد أم عزباء، فقط يوجد زواج شرعي معلن، أما التسمية الصحية لغير ذلك فهي الأم الزانية أو المرأة المنحلة المستبيحة والمُهدرة لكل قيمة محترمة.. لكن قبل الوصول لهذه المرحلة من الفجور والأم الفاجرة العزباء كانت هناك إرهاصات كثيرة بدأت منذ أكثر من نصف قرن، وللأسف سميت تلك البذاءات بالروائع رغم ما تهدمه صراحة من قيم إنسانية تمثل الدعامات الأساسية لأي مجتمع سوى.. ربما كان للحبكة الدرامية وإتقان السيناريست والمخرج والممثلين لأدواتهم الأثر الكبير في تمرير تلك القيم الفاسدة التي ربما لا يجد مؤلفها أي عيب بها، أو ربما تكون ممثلة لقناعاته الشخصية ورؤيته القيمية، أي يجدها عادية ويريد أن يطبع المجتمع بها أو حتى يصالحه عليها!.
لفت انتباهي كثيرا اثنين من أفلام الستينيات كانا اللبنة الأولى لهدم القيم المصرية الأصيلة واستبدالها بعفن إنساني.. والمثير أن الخيانة الزوجية كان هي محور العملين، ورغم ذلك تعاطف أغلب المشاهدين مع المرأة الخائنة في كل فيلم، وستجد أن هذا التعاطف لم يلامس فقط قلوب البسطاء، فلقد وصل لدرجة أن مجلس الوزراء في حقبة الستينات قد ألغى اجتماعا وزاريا له لتعارضه مع إذاعة حلقة من مسلسل إذاعي استغل النجاح السينمائي المدوي لأحد الفيلمين، وأعاد إنتاج العمل إذاعيا.. أما العمل الآخر فيكفيك أن تعلم أنه صار نموذجا ومثالا للمرأة المسكينة (الملاك) ضحية الحب.. رغم أنها أحبت على زوجها وخانته ورغم ذلك صارت ملاكا وزوجها شريرا قاسيا لأنه رفض أن يكون ديوثا وحرمها من تلويث طفلها الصغير.. نكمل في المقال المقبل بإذن الله.
fotuheng@gmail.com