رئيس التحرير
عصام كامل

«منى وبوسي» يكتبان تاريخا جديدا في الملاعب.. كيف أدار أول طاقم تحكيم نسائي مباراة للرجال بالدوري

فيتو

يجلس الكابتن "أشرف عبد العزيز"، مراقب لجنة المسابقات بنادي حلوان العام، أسفل المظلة المخصصة لمدربي فريقي "حلوان" وأبو النمرس"، كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا، يزيح العرق عن جبينه، مصدرا انفعالات حادة من وقت لآخر، المباراة تحتدم في شوطها الثاني، الذي بدأ في تمام الرابعة إلا الربع، فوق أرضية ملعب نادي حلوان العام، يحاول أشرف أن يشطر تركيزه إلى قسمين، الأول يراقب المباراة كما هو معتاد، والثاني يراقبهما أثناء وقوفقهما على رأس الملعب، رافعين الرايات الصفراء من وقت لآخر، "أنا أول مرة أشوف هنا على أرض الملعب ده، محكمات مباراة سيدات!".





فوجئ أشرف حينما تم إبلاغه صباح السبت، أن المباراة النهائية لهذا الأسبوع ضمن مباريات الدورة الثالثة، المقامة بين فريقي حلوان وأبو النمرس، ستحكم فيها "منى عطا الله" و"بوسي سعيد"، "اللي أعرفه أنهم محكمات دوليات وسبق لهما التحكيم في أكثر مباراة في أفريقيا والعالم"، يتحدث أشرف بينما ما زالت عيناه مثبتتين على النقطة ذاتها، يتابع وقد بدت ملامحه في الانفراجة بعد طول امتعاض،"أظنها تجربة ناجحة لأنها أضفت على الملعب عنصري الاحترام والهدوء، اللذين افتقدناهما منذ زمن بالملعب، فمن سيتجرأ ويلقي بلفظ سيئ وهناك سيدتان حواليه!"، يراقبهما أشرف منذ البداية، شغوف بالبحث عن فارق بينهما وبين المحكم الرجل، "أنا مش لاقي فرق بينهما وبين أي محكم رجل، الاثنتين لديهما لياقة بدنية عالية وسرعة بديهة".


 

 "منى مين وبوسي مين، مبقاش إلا الستات يتحكموا فينا يطلعوا ده وينزلوا غيره!"، عبارة ألقاها اللاعب رقم 11 بأحد الفريقين، حينما أشارت إليه "منى عطا الله" التي وقفت على رأس الملعب جهة اليسار، للانسحاب من المباراة، "أنا أول مرة أشوف ست تحكم"، يتمتم وهو يخرج من أرضية الملعب، بينما ما زالت منى تراقب بدقة ما يتم أمامها، "الماتش من وقت ما بدأ والجو هادئ تماما، التجربة رغم أنها في ماتش رايح جاي، كما نطلق عليه في كرة القدم، فإنها أثبتت نجاحها"، يتحدث أشرف عبد العزيز، عن التجربة الأولى في الدوري الثالث الذي تحكم فيه سيدة، "الكلام ده موجود بره من سنين طويلة، وإحنا هنا لسه واضعينه محل اختبارات".




في تمام الخامسة، أُطلقت صافرة انتهاء المباراة، بفوز حلوان على نظيره "أبو النمرس" بهدفين مقابل هدف، وبعد معركة قصيرة دارت بين بعض أعضاء الفريقين، ظلت منى وبوسي ملتزمتين الصمت، "هما جايين للملعب فقط، لا تتدخلا في أي أمور جانبية"، توجهتا إلى حجرة التحكيم، تفندان نتائج المباراة، وتسجلان الأهداف وضربات الجزاء وما إلى ذلك. 

انتهت الإجراءات المعتادة، وتوجهت منى إلى حقيبتها، أخرجت زجاجة العطر والمناديل المبللة، وجه أنثوي ذو ملامح صغيرة، وكذلك حقيبتها، التي احتلت مظاهر الأنوثة جميع جوانبها، "أنا بشتغل في التحكيم من وأنا عمري 16 سنة في عام 1998، ودخلت تحكيم دولي من 2004، بعد اختبارات وتقارير المستوى الفني واللياقة البدنية وتحليل أداء كل محكم في المباريات والحمد لله كنت أصغر واحدة في فريق المحكمات الدوليات، ومثلت بلدي بره".

بصوتها الناعم ونبرتها الهادئة تتحدث منى عطا الله، 37 عاما، وإحدى الاثنتين اللتين تم ترشيحهما للتحكيم في مباراة نهائي الدور الثالث، "حكمت في كأس العالم مرتين إحداهما كانت في دولة تشيلي، حكمت أيضا في أمم أفريقيا ست مرات، إضافة إلى الأولمبياد، غير الماتشات الأفريقية الكثيرة، لسه راجعة من المغرب من نحو أسبوع"، لا تستطيع منى أن تحصي عدد المباريات التي وقفت بها ممسكة بالصفارة والراية الصفراء، "بالنسبة لي لم تكن المرة الأولى اللي أحكم فيها قسم ثالث، بالفعل فعلتها سابقا في عام 2005، وأول ماتش لي قسم ثالث كان في نادي إسكو، لذلك الأمر بالنسبة لي كان كله عادي، الجديد أني حسيت باستقرار في الملعب، وجودنا أجبر اللاعبين على التزام الهدوء والصمت طول الوقت"، تلقي منى باللوم على الكرة المصرية التي منذ الآن فقط بدأت الاهتمام بالكرة النسائية، "إحنا مش واخدين حقنا زي برة، أنا كنت بشوف محكمات في إيطاليا وألمانيا بيحكموا في دوري بلادهن، أتمنى أشارك في التحكيم بالدوري الممتاز قريبا".



بالنسبة لـ "بوسي سعيد"، الفتاة الثانية التي كانت تدير المباراة، التي لا يتعدى عمرها الثامنة والعشرين عاما، فهذه أول مرة لها تقف كمحكمة في مباراة بالقسم الثالث، "أنا دخلت تحكيم من 2013، وانتقلت لتحكيم دولي عام 2015 لسه جديدة، لكن عندي شغف ولعبت ماتشات كثيرة، أولها كان في نادي بلدي بمحافظة الشرقية، وشاركت في مباريات بالكاميرون وإثيوبيا"، على الرغم من تعدد المباريات التي اشتركت بها بوسي، فإنها تعد مباراة نادي حلوان هي تجربة فريدة من نوعها، "استغراب اللاعبين لوجودنا في أول الأمر، أعادني لذكرى أول مباراة حكمت فيها بنادي الشرقية، مش بالسهل يتقبل الرجل الشرقي أمر زي ده، لكن سرعان ما يعتاد الأمر ويتعامل على أساسه".

الجريدة الرسمية