رئيس التحرير
عصام كامل

دور النيابة الإدارية في حماية المشروعية


تقوم النيابة الإدارية بواحد من أهم الأداور للتحقق من احترام مبدأ المشروعية من كل جهة حكومية، وذلك بالعمل على التأكد من مطابقة ما يتخذه الموظفون العموميون بالجهات الإدارية للقواعد القانونية.


فمما لا شك فيه أن للنيابة الإدارية دورا رئيسيا في حماية المشروعية؛ والمشروعية تعني ألا يتخذ الموظفون بالجهات الحكومية أي قرار أو تصرف إلا إذا كان متوافقًا مع أحكام القوانين واللوائح، والنيابة الإدارية عندما تراجع أعمال الموظف العام سواء بناء على الشكاوى التي تقدم إليها من الأفراد أو من الموظفين أنفسهم أو بناء على البلاغات التي تتلقاها من الأجهزة الرقابية أو من جهات الإدارة، فإنها ستتعرض أثناء التحقيق بحكم اللزوم لمدى مشروعية القرار أو التصرف الإدارى بحسبان أن تلك هي النتيجة التي تترتب تلقائيًا ومباشرة ًعلى نتائج التحقيق. 

إذ أن إدانة النيابة الإدارية للموظف تأديبيًا مفادها عدم مشروعية قراره أو تصرفه، وفى المقابل فإن حفظ التحقيق معناه سلامة التصرف أو القرار، وعلى جهة الإدارة تصويب قرارها أو تصرفها بما يتفق ونتيجة التحقيق بما يعيده إلى دائرة المشروعية، وبذلك تساهم النيابة الإدارية في صنع القرار الإداري المتزن المستمد من القواعد القانونية وإعادة صياغة العمل الإداري، فالرأى القانونى الصائب يمثل الخطوة الأساسية للتصرف الإداري السليم، بحيث يجنب الجهة الإدارية المشكلات التي قد تنشأ من قرارها المعيب، وظهور آثاره السلبية على أرض الواقع سواء في حق موظفها مما يقلل من انتمائه لجهة عمله أو في حق المواطن الذي يجب أن يحصل على الخدمات الإدارية بيسر وسهولة، حينها تبذل الجهة الإدارية جهودًا مضنية، وتهدر الكثير من الوقت والجهد أمام المحاكم لتصحيح آثار ذلك القرار.

وقد حرص الدستور والقانون على التأكيد على أن النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، والاستقلال يقوم على ثلاث ركائز أساسية وهي الحياد، والتخصص، وحرية الرأي والتصرف.

فحياد النيابة الإدارية معناه النأي عن التحيز للجهة الإدارية ضد الموظف، أو التحيز لخصم دون آخر إذا كان أطراف القضية موظف عام وزميله أو مواطن لجأ للنيابة الإدارية بالشكوى ضد عنت لقاه عند تعامله مع جهة الإدارة، بحيث يصدر الرأي القانوني للنيابة الإدارية بعيدًا عن الأهواء والميول.

أما تخصص النيابة الإدارية في التحقيق والادعاء التأديبي فهى ميزة تتمتع بها منذ بداية فحص الشكوى واستظهار الحقيقة فيها وتكييفها من الناحية القانونية بتحديد ما إذا كانت تشكل مخالفة تأديبية من عدمه، ثم إسنادها إلى الموظف المسئول عن ارتكابها وحده دون سواه من باقى الموظفين العاملين بالمرفق العام، وهو إسناد يتم بناء على أدلة سائغة مدعمة قائمة على ركائز من المستندات الدامغة وأقوال الشهود والمعاينات والتفتيش لأماكن العمل والأماكن الخاصة إذا لزم الأمر. 

ثم تتولى النيابة الإدارية أعمال سلطة الاتهام التأديبي بأن تزن بمعايير موضوعية بعيدًا عن الهوى والميل مدى جسامة المخالفة التأديبية، ومدى صحة مرتكبها للبقاء في الوظيفة العامة لتقرر بناء على ذلك كله الجزاء التأديبي المناسب والملائم، فتقرر إما توقيع جزاء تأديبي بقرار ملزم لجهة الإدارة، وإما إحالة الموظف المتهم إلى المحكمة التأديبية، وهنا تنفرد النيابة الإدارية وحدها دون غيرها بأعمال سلطة الاتهام التأديبي أمام القضاء التأديبي فتوضح للمحكمة جرم الموظف وكيفية إخلاله بواجبات وظيفته وتفند مزاعمه التي يتذرع بها في محاولته لتبرئة نفسه، حتى لا يفلت من العقاب التأديبي. 

وتفحص حكم المحكمة التأديبية لتتحقق من صحته ومن إنزال الجزاء الملائم على الموظف المدان، فإذا تبين لها وجود عيوب بالحكم تطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.

وهنا تأتى أهمية العنصر الثالث من عناصر استقلال النيابة الإدارية وهى حرية الرأي والتصرف بما يمكنها من أداء مهمة التحقيق والإدعاء التأديبي بكفاءة ونزاهة، فالنيابة الإدارية تتمتع بالقدرة على استنباط التصرف الصحيح والمضى فيه ومحاولة الوصول إلى الحق، والعدل، دون أن يكون هناك ضغط أو تأثير من جهة الإدارة على عضو النيابة الإدارية سواء في الاستنباط أو الفصل في الوقائع المعروضة عليه سواء بالإدانة أو الحفظ. 

فتتمتع النيابة الإدارية باستقلالية في عملها عن التأثير على قراراتها، فلا يتدخل كل من له تأثير في جهة الإدارة في قرارات النيابة، فلا يجوز لجهة الإدارة أن تتدخل في أعمال النيابة الإدارية بأى وجه من الوجوه، فلا يجوز أن تطلب منها الكف عن التحقيق، أو تمنع استدعاء أي موظف مهما علت درجته الوظيفية إلى التحقيق، ولا يجوز لجهة الإدارة أن تلزم النيابة بالتصرف في التحقيق على وجه معين. 

فالنيابة الإدارية تستقل بتقدير ما إذا كانت تحيل الدعوى إلى المحكمة التأديبية من عدمه دون أخذ موافقة مسبقة من جهة الإدارة على ذلك، كما أن للنيابة الإدارية أن تقرر الطعن على الحكم إن رأت وجها لذلك دون أخذ رأى جهة الإدارة.

وبذلك فإن أعضاء النيابة الإدارية هم أحد روافد العدالة، وحماة تحقيقها، والمدافعون عن انضباط المرفق العام وحسن سيره وعن احترام الموظفين لواجبات وظائفهم، ودورهم القضائي يعلو بهم وبهيئتهم إلى أن تكون بحق هيئة قضائية مستقلة.
الجريدة الرسمية