رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني: «مجلس الأمة» علمني أن أسمع السياسة بأنف مزكوم

محمود السعدني
محمود السعدني

«ولسوف تظل تلك الأيام هي أحلى أيام العمر وأقساها، ولو قدر لي مرة أخرى العودة إلى الحياة لاخترت نفس الأحداث ونفس الأشخاص ونفس الطريق.. ذلك لأنه كان يلوح على آخر الطريق هدف ثابت أسعى إليه بلا هوادة، وإرادة من حديد».


بهذه المقدمة نشر الكاتب الصحفي الساخر محمود السعدني مذكراته وذكرياته بمجلة صباح الخير عام 1968 في حلقات تحت عنوان (الولد الشقي)، قال في إحدى حلقاتها: "رشحت نفسي لعضوية مجلس الأمة، وبعدها أصبحت ــــ من تجربة عاصفة ــــ واحدا من رجال السياسة، وقد كنت أشترك في السياسة قبل هذه التجربة على الهامش، وكنت وفديا بقلبي، مع مصطفى النحاس بعواطفي، ضد جميع الأحزاب بهمي وقلقي وعدم استقراري على حال.

وخرجت من تجربة الانتخابات بشعور غريب هو أنه ينبغي أن أتذوق السياسة بلسان ساخر وأن أسمعها بأنف مزكوم، بعد عام من قيام الثورة لم أكن قد شهدت حفلا سياسيا لقادتها، لكن قدر لي أخيرا أن أقوم بأول رحلة سياسية مع قادة الثورة إلى الريف المصري من خلال جولة بمختلف المحافظات.. وكانت رحلة لا تنسى.

كنا أربعة من الصحفيين مع عدد من قادة الثورة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، ولم أكن أعلم حتى هذه اللحظة أن عبد الناصر هو زعيم الثورة الوحيد، وحرص جمال عبد الناصر خلال الرحلة أن يؤكد بتصرفاته أنه ليس هو الرجل الذي في الصدارة ـ وأنه ليس الرجل الذي حرك كل شيء قبل وأثناء ليلة 23 يوليو.

بل كانت تصرفات وحركات أصغر ضابط في الرحلة تكاد تصرخ وتقول إنه لولاه ما حدث في مصر حادث.

خطب جمال عبد الناصر في شبين الكوم خطبته المشهورة التي دعا فيها الاستعمار أن يحمل عصاه على كاهله ويرحل، أو يقاتل حتى الموت دفاعا عن صلفه ووجوده.

ولم أكن أنا شديد التعلق بالسياسة تلك الأيام، وكنت قد أصبحت صاحب نظرة متشائمة غير مبالية بأي شيء، ولذلك لم أدرك معنى كلمات عبد الناصر ومغزاها.. ظننتها لونا من الدعاية وأشياء للاستهلاك المحلي.

وهكذا أخذت الأمر ببساطة ـــ كما تعودت أن آخذ كل حركة سياسية تلك الأيام ببرود ــــ فقبل ذلك بسنوات قدر لي أن أقوم بدور تمثيلي مضحك في مسرحية ليس لها مثيل.

فقد دعيت عند تنظيم الأحزاب لحضور ليلة سياسية يقيمها حزب المعارضة الذي دعا إلى قيامه الزميل فتحي الرمالي.
كانت معرفتي بفتحي تمتد إلى ما قبل ذلك بأعوام فعندما كنت تلميذا بالمعهد العلمي الثانوي شاهدته يرتدي ملابس عبارة عن منشورات ثورية ضد النظام الملكي القائم وقتها ويدعو إلى انتخابه نائبا عن دائرته..هذا هو فتحي الرمالي.

لكني تعرفت عليه وأحببته وكان يعمل في جريدة الجمهور المصري، المهم أنه ودون أخذ رأيي طلب منى صورة وخمس وعشرين قرشا وجدت نفسي بعدها عضوا في حزب المعارضة دون أن أدري.
الجريدة الرسمية