رئيس التحرير
عصام كامل

قراءة في روايات القتل الجماعي ليهود بني قريظة!


هل أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بقتل يهود بني قريظة فعلا؟ كثيرون يستندون إلى هذه الواقعة للزعم بدموية الدين الإسلامي! ويعتمدون على الروايات الموجودة في كتب السيرة التي ورغم تعددها فإنه بالبحث سنجد أن رواتها لم يشهدوا الحدث، وبالتالي فمصدرهم جميعًا واحد حتى لو تعددت الروايات.. وبالتالي فلا مفر من فهم الحدث عقلا وليس نقله بغير وعي ولا فهم ولا تدبر..


ورغم وجود الآية الكريمة في سورة براءة أو التوبة: "( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ) الآية ( 6 )، ومعناها أنه حتى أثناء القتال إذا استجار بك عدوك فاستجب لذلك وساعده في المرور من المعركة بسلام وأدخله بيتك أن استطعت وقدم له الاغاثة المطلوبة ربما سمع القرآن لأنهم يقاتلون بغير فهم للإسلام! وهذا ملخص تفسير الآية في كل كتب التفاسير.. ونلاحظ العفو عند المقدرة والسماحة والرحمة.. ومع من؟ مع المشركين.. وبالتالي فالرحمة واجبة مع أهل الكتاب وقد ميزهم القرآن عن المشركين تمامًا ومدحهم وأجاز الزواج منهم وأكل طعامهم..

سيقول أحدهم إن الآية المذكورة تالية لواقعة قتل يهود بني قريظة التي حدثت بسبب خيانتهم في معركة الخندق.. ونقضهم للعهد مع المسلمين وموافقتهم على دخول قريش من ديارهم ومواقعهم.. ونقول نعم.. لكن عودنا القرآن التمهيد لأحكامه والتدرج فيها كما حدث مع أحكام عديدة مثل الربا والخمر وغيرها.. ففي موقعة بدر يعاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قبل الدية في الأسرى رغم ما يفعلونه بالمسلمين.. لكن هذا الدليل يؤكد انحياز النبي الكريم للحلول غير الدموية لكن حكمة الله تتجلى كلما زادت قوة المسلمين..

فيكون العفو الشامل في فتح مكة وبعده بشهر العفو عن أسرى هوازن رغم قسوة معركة حنين، حتى أن مستشرقًا مثل "جان باجوت جلوب" يشيد بالعفو عن آلاف الأسرى بما دفع قائد جيش هوازن والمحرض الرئيسي للمعركة الدامية يمدح النبي في قصيدة كتبها انفعالا بالحدث!

هكذا كان في معركة بني المصطلق وهكذا كان مع أفراد كثيرون منهم من زعم العبث بكتابة الوحي، ومنهم من ارتد وعاد بل منهم من قتل أحب الناس إلى إليه عليه الصلاة والسلام وهو عمه حمزة!

النتيجة: ورغم أن كلامنا اجتهاد شخصي يقبل الخطأ كما يقبل الصواب ولنا عليه أجر في الحالتين فإننا نرى الواقعة - واقعة القتل الجماعي ليهود بني قريظة ورغم مبرراتها المذكورة من خيانة العهد والغدر بالمسلمين نراها تتعارض مع سياق السنة النبوية ومع الغاية الأساسية للتشريع الإسلامي، والتي جاءت في آخر سورة قرآنية وهي الآية التي ذكرناها أعلاه من إغاثة اللاجئ والملهوف حتى لو كان مقاتلا وعدوًا في معركة!

السؤال: هل نقول ذلك رغم روايات تكتب السيرة؟ نقول القرآن يعلو ولا يعلى عليه وغايته تتجلى في الآية وهو الأصدق وهو اليقيني القطعي.. فضلا عن أن ديننا دين العقل والمنطق.. وليس النقل بغير وعي عن روايات تم تدوينها منذ مئات السنين!
الجريدة الرسمية