رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» بمنزل «الحاوي الأقدم في مصر».. 90 عاما في صداقة الثعابين (فيديو)

فيتو

المشهد الأول: عمل في سن الـ90
قرية صغيرة في قلب مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة.. كان يوما ممطرا، تحاول الشمس فيه مواجهة الغيوم، لكن هيهات! مياه المطر استطاعت تحويل رمال القرية إلى وحل تغوص فيه قدماك، ورغم المطر تجد مزارعي القرية يمارسون أعمالهم في الحقول بشكل طبيعي.



وصلنا إلى المنزل المعروف في القرية، جميعهم يعرفون أنه منزل الشيخ "سالم الحاوي" حيث يقصدونه للشفاء على يديه، ما إن تهاجم الثعابين المزارعين في الحقول.. لم يكن يعلم الحاوي الكبير بقدومنا، فلم نجده بالمنزل، لكن وجدنا زوجة ابنه التي أكدت أنه في الحقل يساعد أبناءه في العمل، وسيعود بعد ساعتين!

لوهلة تملكتنا حالة من الاستغراب، فكيف يمارس شيخ في سن الـ90 عاما مهام العمل في الحقل، بينما يلفظ أبناء العشرين ربيعًا أنفاسهم مع صعود الدرج! حتى انعدمت تلك الحالة عند رؤياه، فعلى الرغم من سنوات عمره الكثيرة فإنه يتمتع بصحة جيدة وذاكرة فولاذية وبنية جسمانية في غاية الصحة، ولا يعاني أمراض العصر المنتشرة.


المشهد الثاني: مباراة داخل المنزل
كان يجلس في قلب "المضيفة" –مكان معد لاستقبال الضيوف على الطريقة الريفية التقليدية-، يرتدي عباءته ويجلس في سكينة يتابع مباراة كرة قدم على شاشة التلفاز، وينفعل مع كل تمريرة للكرة بين اللاعبين.. استغرقنا وقتا طويلا،في محاولة إخراج عينيه من ملعب كرة القدم الذي يتابعه، لنبدء معه الحديث حول كونه أقدم "حاوي للثعابين في مصر" ليعود بذاكرته إلى والده الذي ورث عنه المهنة، "الشيخ محمد أبو موسى" الذي لقب فيما بعد باسم "الشيخ محمد الحاوي".


بدأ الشيخ سالم الحاوي الحديث بابتسامة صغيرة، وقال: "أصولنا من سيناء، حيث ولد أبي في قرية "رمانة" في شمال سيناء، وكانت المنطقة في الزمان الغابر تقع في مرمى رحلات التجارة والسفر بين مصر والشام، إلا أنها كانت خالية من المياه، فقط آبار المياه النادرة إلى حد ما.. حاول أبي حفر بئر ليساعده في بدء أعمال الزراعة، أو كسب العيش منه من خلال المسافرين، إلا أنه لم يجد مكانًا مناسبًا للحفر، فالأرض التي تحفر فيها الآبار لا بد أن تكون تحتها مياه جارية، وهو ما لم يستطع تحديده أو التكهن به، الأمر الذي أصابه باكتئاب شديد".


وتابع: "في ليلة كان أبي نائمًا في خيمته، ثم مر عليه أربعة رجال، ظنهم في البداية أنهم مسافرون عبر الصحراء، وتعامل معهم على هذا الأساس، حيث استقبلهم وقدم لهم واجب الضيافة، ثم قال أحدهم: "يا محمد أنت تحاول حفر بئر هنا.. صحيح؟"، فأجابهم والدي بنعم، فأشاروا عليه بالمكان الصالح لحفر البئر، شريطة ألا يتقاضى المال من المسافرين نظير شربهم من البئر، فوافق والدي على شرطهم وأدرك أنهم بمثابة ملائكة جاؤوا إليه من السماء.. وعقب موافقة أبي على شرطهم، خيروه بين مكافئتين نظير موافقته وهما "الحواية والولاية"، أي إما أن يكون حاويًا، أو صاحب ملك، فاختار أبي الحواية، نظرًا لرغبته في قتل خوفه من الثعابين".


المشهد الثالث: ذكريات صداقة الثعابين

وأضاف الشيخ سالم الحاوي أن "الحواية قرار من الله للعبد" فالبئر تم حفرها بالفعل، ولم يتقاضَ والده المال من المسافرين، وما زال البئر موجودة في مكانها حتى الآن.. ومنذ تلك الليلة صار يتمتع والد الحاوي بمناعة ضد الثعابين التي لا يؤثر سمها في جسده، وصار يعمل في شفاء الناس من سمهم، حتى امتدت شهرته بين سيناء وفلسطين، فأصبح شيوخ القبائل في فلسطين يقومون باستدعائه للتباري فيما بينهم حول من يستطيع نداء الثعابين إليه بشكل أسرع.


طوال ساعتين كاملتين، قص علينا الشيخ سالم الحاوي ذكرياته مع والده الذي تعلم منه فنون التعامل مع الثعابين، وأسفاره العديدة ومبارياته مع الحواة بين سيناء وفلسطين، التي تركها وعاد إلى مصر قبل بدء النكبة الفلسطينية بسنوات بسيطة، حيث قضى الحاوي معظم طفولته بين تلك المباريات مع الحواة في جبال فلسطين منذ عام 1928 حتى عام 1940.

المشهد الرابع: الوصول إلى البحيرة
بعد انطلاق الحرب في فلسطين واستقرار الشيخ سالم الحاوي في سيناء، قرر الابتعاد عنها هي الأخرى، فرائحة الحرب قريبة والأجواء ليست آمنة، فسافر مع عائلته إلى محافظة البحيرة التي استقر فيها وصار يمارس المهنة نفسها مع أهلها، حيث يعالج المزارعين الذين تهاجمهم الثعابين في الحقول دون مقابل، وعمل إلى جوار تلك المهنة في الزراعة ليكسب لقمة العيش بعد وفاة والده الذي ورثه المهنة ثم رحل.

استمر الحال على هذا النحو إلى ما بعد حرب أكتوبر، حيث عاد الحاوي في قرية رمانة في شمال سيناء، وصار يقضي سنواته ما بين الإقامة لفترة في البحيرة، والأخرى في رمانة، وصولا إلى بدء عمليات القوات المسلحة في سيناء، التي جعلت من وصوله إلى رمانة أمرًا صعب الإدراك، لذا قرر الإقامة في البحيرة لحين انتهاء الإرهاب في المنطقة.


المشهد الخامس: 90 عاما والصحة تمام!
كان من الصعب إنهاء الحديث مع الشيخ سالم الحاوي دون الاستفسار منه عن سر محافظته على صحته، رغم وصوله إلى سن الـ90 عاما، فقال الشيخ إنه منذ طفولته في سيناء وفلسطين كان الغذاء الأساسي عندهم هو التمر وزيت الزيتون والزعتر، وهي مواد طبيعية تبني الصحة وتقي الجسد من الأمراض، خاصة مع ابتعاده التام عن التدخين، وعدم ارتكانه للكسل، فهو يعمل بشكل يومي ويمارس المشي طيلة اليوم، حتى لا ينخر الزمن في جسده.


الجريدة الرسمية