رئيس التحرير
عصام كامل

عار 4 فبراير!


عزيزي القارئ.. هل تعرف تاريخ بلادك جيدًا؟ هل أنت متأكد؟ كم مرة قالوا لك إن الأحوال قبل ثورة يوليو كانت أفضل؟ وكم مرة قالوا لك إننا كنا قبلها دولة كبيرة وعظيمة؟ وكم مرة شاهدتهم وسمعتهم وقرأت لهم يهاجمون أخطاء الستينيات؟! مئات أو آلاف أو ربما عشرات الآلاف من المرات.. حتى أن صحفيين صغارًا يبدءون المهنة بالهجوم على عبد الناصر وقد ولدوا أصلا بعد رحيله.. لسبب لم يفسره الكثيرون وهو أنهم نشأوا وتربوا وكبروا ووجدوا جيشًا من الكتاب يجامل السلطة القائمة بالهجوم على ثورة يوليو وزعيمها.. والآن يقلدونهم ويفعلون مثلهم رغم تبدل الأحوال والظروف!

4 فبراير 1942 هل تعرفه؟ هل حدثوك عنه؟ هل شاهدت أو سمعت عنه أي شيء؟ هل تندر عنه عمرو أديب ذات مرة ؟ هل ألمح إليه يوسف زيدان؟ بالقطع لا وألف لا..

سنروي لك سريعًا ما لم يقله أحد لك عمدًا.. رغم اعتراف الجميع به بلا استثناء حتى الأسرة المالكة سابقًا وقد كتبت فيه مؤلفات عديدة جدًا.. سنلخصه لك قبل أن ينتهي الشهر ونقول: في 3 فبراير كان الملك فاروق قد قبل استقالة حسين سري عامر رئيس الحكومة التي قدمها قبلها بيوم.. اتصل اللورد كليرن السفير البريطاني بالقاهرة بالقصر وطلب من الملك -هكذا بكل وقاحة- أن يعين مصطفى النحاس باشا بدلا منه!

كانت حيثيات السفير البريطاني عديدة منها قدرة الوفد -وقتها- على حشد النحاس ضد تطورات المعارك مع الألمان لكن.. وأمام الوقاحة البريطانية دعا الملك عددًا من الأحزاب إلى الاجتماع في القصر لبحث الأمر في محاولة للتلكؤ أو حتى التملص من تنفيذ تعليمات جناب السفير.. الذي علم بأمر الاجتماع المقرر 4 فبراير.. أرسل إلى رئيس الديوان رسالة واضحة وقاسية كانت من طرف واحد هي "إذا لم أسمع قبل الساعة السادسة مساءً أن النحاس باشا قد دُعي إلى تأليف وزارة يجب أن يتحمل الملك ما يترتب على ذلك من نتائج"!!

ثار المجتمعون واعتبروا الأمر إهانة وأنه يجب الرد عليها.. وهو ما أعجب الملك الذي كان لا يريد النحاس لكراهيته له إلا أن السفير نفذ تهديده وجاء في التاسعة مساء فعلا وحاصرت دباباته وضباطه وجنوده قصر عابدين وانطلق هو إلى الداخل واستدعى الملك واجتمع به في مكتبه بحضور أحمد حسانين رئيس الديوان ويروي السير مايلز لامبسون المندوب السامي الذي أدار اللقاء في مذكراته -التي كتبها قبل وفاته عام 1964- العار الكبير إذ يذكر نص الاستقالة التي قدمها للملك بعد معاملة مهينة له وجاء نصها المهين كالتالي:

"خلال السنوات الأخيرة تأكد لنا أنكم تحت تأثير بعض مستشاريكم لم تكونوا مخلصين للحلف ولبريطانيا العظمى وإنما على العكس من ذلك عرقلتم جهودهم بما يساعد خصومهم.. وإن الاتجاه العام وما يصاحبه من ظواهر تؤكد لنا قيامكم بخرق معاهدة التحالف مع بريطانيا.. بمقتضى المادة الخامسة التي تفرض عليكم ألا تقوموا بأي اتصالات مع أي بلد معاد للحلفاء.. وأن جلالتكم فوق ذلك وعن تعمد وبدون داع طلبتم من الحكومة السابقة الرجوع عن قرار اتخذته بمقتضى البند الخامس من المعاهدة بطرد المسيو "بوتزي" الوزير المفوض الفرنسي في القاهرة..

وأخيرًا فإنكم فشلتم في تأمين قيام حكومة وحدة وطنية.. ورفضتم أن تعهدوا بالسلطة إلى رئيس الحزب الذي يحظى بالأغلبية الشعبية في البلد.. والذي يستطيع وحده تأمين التنفيذ الدقيق للمعاهدة بالروح التي وضعت بها النصوص.. ومثل هذه التصرفات الطائشة وغير المسئولة من جانبكم تعرض أمن مصر وأمن القوات الحليفة فيها للخطر.. وهنا فإنهم يعلنون لكم أنكم لم تعودوا جديرين بالجلوس على العرش.. وعليه فإننا نحن فاروق الأول ملك مصر تقديرًا منا لمصالح بلدنا فإننا هنا نتنازل عن العرش.. ونتخلى عن أي حق فيه لأنفسنا ولذريتنا.. ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش.. ونحن هنا أيضًا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا صدر في قصر عابدين في هذا اليوم الرابع من فبراير 1942 توقيع فاروق"!!

كان على الملك أن يوقع الاستقالة المهينة أو أن يختار رئيسًا للحكومة تريده بريطانيا.. وفي كليهما عار.. ووقع ملك -قال إيه- مصر والسودان.. وجاء النحاس رئيسًا للوزارة! ولم يخلص مصر من كل هذا العفن بعد الحادث بعشر سنوات.. إلا أبناء الجيش العظيم!
الجريدة الرسمية