رئيس التحرير
عصام كامل

أنجيلا ميركل.. مهندسة الحضور النسائي بقمة الهرم السياسي في ألمانيا

فيتو

في ظل تولي أنجيلا ميركل منصب مستشارة ألمانيا بات الدرب سالكا أمام المزيد من النساء لتقلد مناصب مهمة ومؤثرة في أعلى قمة الهرم السياسي في ألمانيا. طريق ميركل كان مختلفا، لكنها نجحت في وضع أسس تغيير شامل مهد لهذا الأمر.

رشحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منتصف فبراير الجاري آنغريت كرامب-كارينباور لمنصب الأمين العام للحزب الديمقراطي المسيحي. وبذلك ستتولى السياسية الألمانية البالغة من العمر 55 عامًا، والتي كانت رئيسة لوزراء ولاية سارلاند الصغيرة حتى لحظة إعلان ترشيحها، منصبا تولته المستشارة نفسها للفترة من 1998 حتى 2000 حين تولت زعامة الحزب. وبعد انتخابات عام 2005 اُنتخبت ميركل مستشارة لألمانيا للمرة الأولى.

وإذا ما قام ائتلاف حاكم جديد في ألمانيا بين حزبي الاتحاد المسيحي من جانب وبين الحزب الاشتراكي الديمقراطي من جانب آخر في مارس المقبل، يمكن أن تبقى ميركل على رأس الحكومة حتى عام 2021. ولكن ماذا بعد ذلك؟ إذا ما افترضنا تحقيق الحزب المسيحي الفوز بالانتخابات القادمة، فيمكننا توقع أن كرامب-كارينباور ستكون ثاني مستشارة لألمانيا بعد سبعة مستشارين رجال، وهو ربما ما يفسر استقدامها لبرلين أمينة عامة للحزب الديمقراطي المسيحي. وبهذا المنصب فإنها ستدخل المشهد السياسي الأكبر على مستوى ألمانيا. وبحسب ميركل فإن هذا المنصب هو نقطة الانطلاق المناسبة لمهام ومسؤوليات أكبر.

أسماء كانت تثير الدهشة
وإذا ما أمعنا النظر، سنجد أن نساء أخريات من يتقلدن المناصب السياسية المهمة، كوزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين (من الحزب المسيحي الديمقراطي)، رئيسة وزراء ولاية راينلاند بفالس مالو دراير وكذلك رئيسة وزراء ولاية ميكلنبورغ- فوربومرن مانويلا شفيزيش (وكلاهما من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، إضافة إلى رئيسة كتلة الحزب الاشتراكي في البرلمان الألماني وزعيمته المستقبلية أندريا ناليس، ورئيسة كتلة حزب اليسار في البرلمان سارا فاغنكنيشت، ورئيسة كتلة الخضر كاترين غورينغ-إيكهارد، والأمينة العامة للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) نيكولا بيير. وحتى في صفوف حزب "البديل من أجل ألمانيا" تتولى آليس فايدل رئاسة كتلة حزبها في البرلمان.

وتصدر النساء لهذه المناصب المهمة لم يعد يثير الدهشة في الوقت الحاضر. لكن الأمر كان مختلفًا مطلع تسعينيات القرن الماضي، فقبل نحو 25 عامًا لم يكن من الوارد تصور "أن امرأة ستبقى مستشارة لألمانيا لأكثر من 12 عامًا"، كما تقول زابينه لويتهويسر-شنارنبيرغر في حوار مع DW. وكانت السياسية في الحزب الديمقراطي الحر قد سُميت وزيرة للعدل عام 1992 من قبل المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول، لتكون أول امرأة في ألمانيا تتولى وزارة يمكن وصفها بـ "الكلاسيكية".

رائدة في مجالها
ومصطلح "كلاسيكي" هنا يُطلق على تلك الوزارات التي تشكل أساس كل حكومة، كالخارجية والداخلية والمالية والاقتصاد والدفاع والعدل. "الأمر البديهي في إمكانية النساء تحسن كثيرًا"، تقول لويتهويسر-شنارنبيرغر، التي تولت وزارة العدل مرة ثانية عام 2009.

وفي هذه الأثناء باتت ميركل مستشارة لألمانيا، بعد أن تولت خلال حقبة كول وزارة المرأة والشباب للفترة من 19991 وحتى 1994، الأمر الذي بات موضع نسيان منذ زمن طويل. وخلال تلك الفترة كان غالبًا ما يُطلق على ميركل "فتاة كول". ربما لأنها كانت صغيرة حين تولت المنصب، لكن مهما كانت أبعاد هذه التسمية فإنها لم تكن تنطوي على الكثير من الاحترام لها. وهي تجربة تتذكرها لويتهويسر-شنارنبيرغر أيضًا. وفي الوقت الحاضر؟، "يجب ألا تُطرح أسئلة غبية عما إذا كانت المرأة في وضع مكنها من تولي مهام صعبة كوزيرة"، تقول لويتهويسر-شنارنبيرغر.

ماذا قالت ميركل لـDW حينها عام 1991؟
عندما تستعرض المستشارة الألمانية ميركل ذلك الوقت حين تولت وزارة المرأة، فإن ابتسامة ما سترتسم على وجهها بالتأكيد ولا تكون غير راضية بما وصلت إليه. في حوار إذاعي مع DW يعود لعام 1991 تحدثت ميركل عن إمكانيات المرأة لـ"تحقيق مشاريع حياتها". وأضافت ميركل آنذاك، بأنه بالنسبة للرجل فإن الأمر أسهل بكثير لقول: "أريد أن أعمل وأتزوج وأرغب في أطفال".، معتبرة أن هذه أشياء بديهية بالنسبة للرجل، "لكنها غالبًا ما تتحقق على حساب فرص المرأة وإمكانياتها".

ومنذ هذا الوصف الذي يعود لـ27 عامًا تغيرت أمور كثيرة، لكنها لم تتغير إلى الشكل الأمثل بمجملها. وتوضح مارغريت لونينبورغ، مديرة مركز مارغريتا فون برينتانو لبحوث الجندر في جامعة برلين الحرة، أن هذا التطور كان يمضي بخطوات شاقة للغاية، وربما حتى الآن في بعض الأحيان. وتتذكر أن وسائل الإعلام الألمانية كانت تناقش ما إذا كانت المرأة مناسبة لمنصب مستشارة ألمانيا حين تولت ميركل هذا المنصب للمرة الأولى عام 2005.

انخفاض التمثيل النسوي في البوندستاغ
وتقول لونينبورغ في حوار مع DW إنه "في هذه الأثناء لا توجد حاجة للتبرير سبب إمكانية تولي امرأة لهذا المنصب". لكن على الرغم من ذلك لا توجد آلية لتوجيه هذه النقلة نحو تمثيل متوازن للمرأة والرجل في المجال السياسي، بل على العكس من ذلك.

وتشير لونينبورغ إلى انخفاض نسبة النساء في البرلمان الألماني "بوندستاغ"، فبينما كانت نسبتهن تبلغ نحو 37 بالمائة عام 2013، باتت هذه النسبة لا تتجاوز 31 بالمائة منذ 2017.

وهذا الأمر يبرز خصوصًا في كتلة حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي، إذا توجد عشر نساء من أصل 92 نائبًا. أما في حزبي الخضر واليسار، فإن الأمر يختلف كثيرًا، إذ لا يشكل الرجال سوى أقلية. وترى وزيرة العدل الألمانية السابقة أن تراجع عدد النساء بين صفوف نواب البرلمان الألماني يعد بمثابة "نكسة حقيقية"، موضحة أن بعض الأحزاب قد تفتقد ربما إلى "الاستعداد المطلق لدعم النساء"، وحزبها نفسه لا يختلف الأمر فيه كثيرًا، إذ تبلغ نسبة الرجال فيه نحو 75 بالمائة.

صورة نمطية
وتوضح لونينبورغ أن تقلد النساء لمناصب بارزة في السياسة الألمانية يعود إلى أحداث سياسية كبيرة وجديرة بالتأمل، قائلة: "في أوقات الأزمات تزداد فرص المرأة على ما يبدو، لتولي مناصب معينة". وتذكر الباحثة الألمانية في هذا السياق مفردة "نساء الأنقاض" كصورة مجازية للفترة بعد الحرب العالمية الثانية التي تركت ألمانيا خرابًا وساهمت النساء في إعادة بنائها. ومؤخرًا أُطلق على هذا اللقب المثير للجدل على الرئيسة المقبلة للحزب الاشتراكي أندريا ناليس في وسائل الإعلام الألمانية، وذلك بسبب الأوضاع المزرية لحزبها الذي سترأسه قريبًا.

لكن في الوقت ذاته تشير لونينبورغ إلى تطور آخر في دول مثل فرنسا والنمسا وكندا، حيث كان النجاح في السياسة من حصة "شخصية الرجل الرشيق". والمقصود هنا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الحكومة النمساوية سياستيان كورتس ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. فوجودهم يشير إلى تركيز كبير للغاية على الشبابية والنهضة والتغيير. وفي الوقت الراهن لا يوجد في ألمانيا أي سياسي يُقارن بهم، على الأقل في المناصب القيادية.


الأنوثة والنجاح السياسي
وفي صفوف النساء أيضًا لا توجد أي سياسية ألمانية تُقارن بهم كنموذج. وتوصلت دراسات سابقة أُجريت في مركز مارغريتا فون برينتانو لبحوث الجندر في جامعة برلين الحرة إلى أن تزايد وجود النساء في المناصب العليا يقود إلى صور أنثوية أكثر اختلافًا لدور المرأة. ولذك حرصت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل طويلًا على "ألا يكون التركيز عليها كامرأة"، كما تقول لونينبورغ، مشيرة إلى أنها أجرت ما يمكن وصفه بـ"التحييد". وعلى خلاف ذلك يوجد من يرغبن في "إظهار أنوثتهن بشكل واضح".

وتضيف الباحثة الألمانية بأنه على ما يبدو فإن هناك ثمة علاقة مثيرة بين التجسيد الإعلامي للأنوثة والنجاح السياسي، وأن "النموذج الهرمي" ما يزال حاضرًا في تقييم الكفاءة السياسة والمهارات الإستراتيجية والقدرة على الإقناع. وتطبيق صورة "الأم" على المستشارة ميركل، لم يكن مناسبًا أبدًا، كما تقول لونينبورغ، لكن هذا الأمر ما زال يُمارس، على سبيل المثال: المستشارة ميركل لم تنجب أطفالًا.

ما ينقص بعد: رئيسة اتحادية
إذا ما استعرضنا المشوار السياسي لأنجيلا ميركل، سيبرز أمر ما: كان لها دور مبكر للغاية في زيادة تأثير وقوة المرأة في السياسة. الكثير من الدلائل تشير إلى أن ذلك لم يكن مصادفة، وإنما إستراتيجية. وتصف لويتهويسر-شنارنبيرغر، رفيقة دربها لسنوات طويلة، أسلوب عمل المستشارة بـ"الفعال" و"المحدد الهدف". ووفق هذا الوصف يمكن فهم ترشيحها آنغريت كرامب-كارينباور لمنصب الأمين العام للحزب الديمقراطي المسيحي. فهي تتمتع بسمعة مشابهة لتلك التي تتمتع بها رئيسة حزبها.

بعد فترة توليها رئاسة الحكومة، يبقى لميركل نفسها دور المرأة الأولى في الدولة، وهو ما يناسبها كما ترى لويتهويسر-شنارنبيرغر، إذ لم تتول أي امرأة بعد هذا المنصب، وهو منصب شرفي يؤثر على جميع شرائح الشعب الألماني كما تقول، مضيفة أنه يمكن أن يظهر للجميع - ليس في السياسة وحسب- أن المرأة قادرة على كل شيء، "جيدة أو سيئة، حالها في ذلك حال الرجل".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية