الولايات المتحدة بين الاقتصاد والمؤسسة العسكرية
في كتابه "نخبة القوة" شرح عالم الاجتماع الأمريكي (ريتشارد رايت ميلز)، سنة ١٩٥٦، نظريته عن تكون شكل موازين القوى داخل الإمبراطورية الأمريكية ما بين ثلاثة محاور هي (الاقتصاد والمؤسسة العسكرية وأخيرًا السياسة).. وعندما نتحدث عن الولايات المتحدة فنحن نتحدث عن القوة العظمى التي تحكم وتتحكم بالعالم وتصدر وتُخلْق النظام العالمي الجديد بما يناسب النموذج الأمريكي الحالي، لذا فما يدور هناك يؤثر في الشرق والغرب.
في خطاب كيندي الأخير لمح وأشار إلى قوى خفية تحكم أمريكا ثم العالم ضد مصلحة المواطن الأمريكي ثم الإنسانية، ولكنه قتل بعدها مباشرة، أما الرئيس أيزنهاور فقد حذّر في خطابه ١٩٦٢ من تنامي نفوذ المؤسسة العسكرية الأمريكية ضد مصالح المواطن أيضا تحت ما سماه "المؤسسة الصناعية العسكرية"، التي تمتلك الأبحاث العلمية والمصانع والإمكانيات المادية الهائلة، وأشار "ميلز" إلى تحالف هذه الكيانات الصناعية العسكرية مع وزارة الدفاع (البنتاجون) لتحقيق سياسات تحقق حالة حرب دائمة ليصبح الاقتصاد الأمريكي هو اقتصاد حرب يحقق استقراره من خلق مناطق التوتر في أنحاء العالم.
ولعل أخطر ما أشار له هو تداخل العسكريين الحاليين أو المتقاعدين مع المدنيين من رجال الصناعة الأمريكيين في هذا النوع من الحروب ليكون لرجال الأعمال المتعطشين للثروات دور محوري في رسم السياسات ومناطق التوتر والصراعات لنصل إلى نقطة لا نهائية من الدم على مستوى العالم.
أن قراءتي لكتاب نخبة القوة غير مفاهيمي عن الدولة الأمريكية، فهي دولة عسكرية صرف وليست مدنية كما يروج، تستخدم القوة الناعمة لتمكين مؤسساتها العسكرية من مفاصل العالم، بل إن نخبة القوة هم من سلالة الأنجلو ساكسون، وانخرطوا في جامعات بعينها، مما يثير شبهة العنصرية على عكس ما تروجه الآلة الإعلامية من قيم المساواة والحرية الأمريكية.
أما عن النموذج الأمريكي الشهير للحرية والمساواة فهو النموذج الذي تسوقه الإمبراطورية الأمريكية لبسط نفوذها، كما فندها جوزيف ناي في كتابه "القوة الناعمة"، حيث اعتبر الإعلام والتعليم والاقتصاد أدوات أقل تكلفة وأكثر تأثيرًا لحكم العالم.
هكذا ترى الولايات المتحدة الشرق الأوسط الغني بثرواته الذي كان أهم مناطق التوتر في العالم فتدفع الإنسانية من الدماء والحروب والثورات التي دمرت المنطقة، ولا بديل للاستقرار إلا بحروب أخرى، ولكن الدم يجلب الدم تحت مسميات وأكاذيب تعرقل التنمية الاقتصادية المستدامة.
قد يكون خطاب ترامب في بداية تسلمه السلطة بارقة أمل عندما صرح بأنه يسعى إلى أن يسلم الشعب السلطة في إشارة للانقلاب على مراكز قوى تحكم أمريكا ثم العالم فهل يستطيع.. سؤال وأطروحة ستحكم عليها الأيام.
وفي قلب الشرق الأوسط، حيث بذرت بذور الفكر المتطرف والجهل لخلق مناخ مستمر من التوتر والصراعات كان الجيش المصري هو العاشر عالميًا في ٢٠١٧ بسلاحه، ليحفظ استقرار مصر أمام هذه السياسات الشريرة، ولكن بلا اندفاع وحكمة استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يجعل مصر واحة آمنة يحميها جيش قوي بقيادة حكيمة في رسالة قوة تحافظ على السلام والاستقرار.
أتذكر كلمات الرئيس السيسي عندما وجه خطابه لشعوب العالم المحبة للسلام على منبر الأمم المتحدة ليثبت السيسي أنه هو الرئيس العاقل الذي سيعبر بمصر والشرق الأوسط من فوضى الحروب إلى سلام يحقق استقرارا اقتصاديا بالاعتماد على مؤسسات وطنية ويتعامل بحكمة مع السياسات التي تدفع الإنسانية نحو الهاوية.