الحرث والحفر
بعد شهرين يكون قد مضى عام كامل على تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة البلاد، والسؤال الذى أسأله لنفسى ويسأله كل عاقل: ماذا تم خلال هذه الأشهر العشرة، وهل ما تم أفاد البلاد فى شىء؟
لن أعيد عليكم مسلسل الأعمال التى جاءت كلها على عكس ما أرادته وقامت من أجله الثورة. سواء فيما يتعلق بكتابة الدستور والإسراع فى إخراجه ولا فى إعلانه الدستورى الذى سبقه. ولا فى الجرائم التى تمت وهو صامت عنها مثل جرائم الاعتداء على المعتصمين عند قصر الاتحادية أو تعذيب الشباب النشطاء السياسيين فى معسكرات الأمن المركزى وإلقاء جثثهم فى الشوارع ولا فى إسناد الوزارة لرجل تظهر الحيرة على وجهه أكثر مما يظهر العزم.
ولا فيما جرى للنشطاء بالمقطم ولا أى شىء مما بدا موجها لإخماد الثورة والثوار. سأسال فقط هل صار لكلام من نوع أعطوا الرجل فرصة أى معنى بعد هذه الشهور العشرة؟ ألم تكن هذه الشهور كافية لتحقيق أى شىء يلمسه المواطن العادى؟ ماذا يريد المواطن العادى غير طرق سهلة وشوارع نظيفة ومرتبات عادلة وأسعار مستقرة للمأكل والمشرب؟ هل حدث شىء من ذلك؟ هل هناك محافظة واحدة فى مصر ظهرت عليها أعراض النظافة فى الشوارع أو ظهر فيها رجال المرور فى كل الطرق كما كانوا قبل الثورة؟!
هل استقرت أسعار سلعة واحدة ؟ لا شىء من ذلك حدث، وإذا كان هناك شىء واحد من هذا حدث فليرد علىّ أى مسئول أو أى شخص. كل ما نراه حكومة لم تتخذ قرارا واحدا بشأن أى شىء من هذا ومحافظين لم يتخذوا قرارا واحدا أو يجدوا أى طريقة لنظافة محافظاتهم. وشرطة اندفعت فى الوقوف أمام الثوار وتركت عملها الأصلى فى أبسط صورة.. المرور مثلا.
ورئيس وزارة إذا تكلم أضحكنا وأثار السخرية ورئيس جمهورية صامت عن هذا كله وإذا خرج علينا بدا مرتاحا كأن شيئا من هذه المساوئ كلها لا يحدث فى البلاد. ويسافر كل أسبوع إلى بلد ولا نتيجة للسفر. طيب فيم كانت قرارات الرئيس وحكومته ومجلس شوراهم الحاسمة؟
قرارات بتطهير القضاء المراد منها التخلص من آلاف القضاة ليأتى مكانهم من يوالون النظام ومن المحامين لا القضاة. قرارات بحظر التجوال فى مدن القناة وادعاء بتطويرها ثم نكتشف أن القناة ستصير هدفا لاستثمار الغرباء. يقول البعض إن التركة صعبة ونحن نعرف ونعرف أكثر أن هذه التركة كانت تحتاج إلى حرث للأرض يتلوه زراعة لمستقبل يحمل شيئا من أهداف الثورة لكن الذى يجرى هو حفر وليس حرثا.
حفر يشوه التربة المصرية. سأعطيك مثالا واحدا قد تراه لا معنى له لكنه يعنى الكثير: الدستور الجديد المشوه ينص على أن من حق من يقبض عليه أن يعرف سبب ذلك فى خلال اثنتى عشرة ساعة. ورغم اعتراضنا على ذلك فالأصح أن يعرف فى الحال إلا أن كل من قبض عليهم من الثوار لم يعرفوا ذلك إلا بعد أيام ولم نعرف مكانهم إلا بعد أيام وربما صدفة.
وهكذا ضرب النظام بدستوره لأنه أصلا لا يعترف بدولة القانون لكنه يعمل فقط للإجهاز على الثورة والثوار. يحفر الأرض ويشوههها لا يحرثها. عندما يكون هناك نائب عام يعينه الرئيس وهناك حركة فى القضاء ضد هذا التعيين وقضايا فى المحاكم ويظل النائب العام الذى كرجل قضاء من الأفضل له كثيرا ألا يكون موضعا لأى شك فهل يعنى هذا إلا حفرا فى أرض القضاء وتشويهها؟
وعندما يخطب رئيس نياية فى مؤتمرات سياسية مؤيدة للرئيس ثم يحال إليه أمر التحقيق مع الثوار فهل هذا يناسب القضاء الذى يريده الإخوان المسلمين وهل هذا هو حرثهم فى الارض أم حفرهم؟ وتستطيع أن تضرب عشرات الأمثلة على الهدم لا البناء ويظل السؤال هل نال المواطن العادى أى نصيب من رغد العيش الذى تمناه الرئيس لبيريز رئيس إسرائيل؟ لن أحصى زيادات الأسعار بدءا من الطعام إلى الدواء إلى كل شىء. كل شىء يا وطن. كأن مصر كانت خالية من الفلوس أو كأن عفريتا أخذ فلوسها وطار.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com