رئيس التحرير
عصام كامل

«أوجاع الناس الشقيانة» أمام سيارات الكشف عن فيروس سي.. خوف وحذر ومآس على أبواب عيادات التحاليل المتنقلة.. وممرضة: الفحوصات أثبتت إصابة معظم الحالات بالمرض

فيتو

عند نافورة نصف العمر التي تتوسط المحيط المجاور لمسجد صهيب الرومي بحي الشرابية المكتظ بالسكان، حيث تستقر سيارة وزارة الصحة للكشف على فيروس سى مجانا، يجلس ثلاثتهم في زيهم الصعيدى وملامحهم الحادة التي تبحث عن نصف ابتسامة تلقيها على المارة، جمال 57 عامًا، ابن محافظة قنا، والذي يعمل بالقاهرة منذ نحو 35 عامًا في مهنة عزل الحوائط، كانت له “مصلحة” في محيط الشرابية أمس الأول، فشعر بإعياء شديد وعدم القدرة على الحركة، سمع عن سيارات وزارة الصحة للكشف عن فيروس سي، قائلا: “أنا زمان كنت بفلح في الأرض وانزل حافى، فعارف إن وارد أكون مصاب بيه، علشان كده رحت حللت وطلع عندى فعلًا، وجاى النهاردة للأشعة وخلافه”، لم يكن جمال ينوى البحث عن السبب الخفى وراء إعيائه المتكرر في الفترة الأخيرة، لكن صوت المذياع هو ما دفعه للاطمئنان، يحاول أن يقنع صديقيه وزميلى العمل ذاته واللذين حضرا معه في العاشرة صباحًا، أن يحللا أيضا، قائلا: “بقنعهم يحللوا مش راضيين وبيقولولى مش عايزين ندوش نفسنا”.


حملة فيروس سي
“تعلن وزارة الصحة والسكان عن انطلاق حملة اكتشاف وعلاج فيروس سى بالمجان.. ضمن حملة الرئيس للقضاء على الفيروس بحلول عام 2020، من سن 18 حتى 59 عامًا”.. عبارات يرددها جهاز مذياع بداخل السيارة الحاملة لشعار وزارة الصحة والسكان والكائنة بالمنطقة، السيدات يهرعن نحو السيارة، إحداهن تطل من الشرفة للتأكد من صحة ما سمعته، تنزل إلى إحدى السيارات تغيب لدقائق داخل السيارة، وتخرج ممسكة بذراعها بعد سحب عينة الدم: “قالولنا نيجى نحلل دم علشان فيروس سى واللى عندهم الفيروس، هيتصلوا بيهم يبلغوهم ييجوا يعملوا أشعة علشان نشوف عندنا في الدم ولا وصل للكبد كمان”، تتحدث الحاجة وفاء التي تقطن في حي غمرة بالقاهرة، عن تجربتها الأولى مع تحاليل الدم: “أول مرة في حياتى أعمل تحاليل، طول عمرى ماشية بالبركة”، لكنها شعرت في الفترة الأخيرة بإعياء شديد وهزال، ونصحتها جارتها أن تذهب للتحليل حينما تحضر السيارة الخاصة بالكشف عن المرض، وبالفعل استعدت منذ التاسعة والنصف حتى حضرت السيارتان ذاتهما “العربية بتيجى الساعة عشرة وبتفضل موجودة لحد 5 مساءً”.

رحلة الحصول على رقم
587.. هو رقمه في كشف الحضور، يحاول البحث في الذاكرة عن رقمه القومي، بعد أن نسى بطاقته في المنزل، يحاول “حسام” جاهدًا أن يقنع الموظف المختص بتسجيل البيانات الخاصة بالمفحوصين وتشتمل الرقم القومي ورقم القيد أو الترتيب بالكشف ورقم الهاتف لمعاودة الاتصال بالمريض، حال خرجت النتائج بإيجابية إصابته بالفيروس، يقول حسام: “إحنا بقالنا نحو خمسة أيام هنا وحضر للكشف زيادة عن 600 فرد أغلبهم من المناطق المحيطة بالشرابية، لأن كل قافلة من القوافل الموجودة في الـ17 محافظة بتعتنى بالشوارع المحيطة فقط”.

حضر خلال الساعة الأولى من وجود السيارة، نحو أربعين رجلا وسيدة، معظمهم تتراوح أعمارهم بين الأربعين والخامسة والخمسين. “أنا اسمى بهية عبد السلام عندى 52 سنة، كنت بنشر الغسيل من كام يوم وسمعت صوت العربيات قلت لازم انزل أكشف وأشوف عندى ولا لأ، لأنى خايفة من المرض ده من بعد موت زوجى منذ 20 يوما”.

الأشعة والتحاليل
بهية لم تأت إلى هناك للمرة الأولى، لكنها حضرت منذ يومين لإجراء التحليل ثم عاودوا الاتصال بها ليخبروها أنها يمكن أن تكون مصابة بنسبة كبيرة ويجب أن تحضر اليوم لإجراء الأشعة على الكبد”، كان أمامها نحو نصف ساعة حتى يأتى دورها، انتظرت بجوار السيارة الخاصة بالأشعة، بجوارها أم مازن ابنتها الكبرى، تطلب منها أن تكثف الدعاء لها بأن تصبح النتيجة سلبية لأنها تخشى علاجه، “زوجى اكتشفه متأخر والعلاج تعبه وأنا خايفة”، تمر النصف ساعة على بهية، تدخل إلى السيارة وتبقى بها نحو عشر دقائق، لتخرج بعد أن انفرجت أساريرها قائلة “أنا ملقتش عندى الفيروس الحمد لله”، لتأخذ ابنتها وحفيدها وترحل عن الدائرة الصغيرة، التي بدأت في الامتلاء بالسيدات.

وسط الصمت والحذر الذي ساد المنطقة لدقائق معدودة، حضرت سيدة ستينية إلى سيارة التحاليل الأولية، مرددة: “أنا ظهرى ورجلى واجعيننى اكتبولى على دواء”، ليجيبها أحدهم “ده كشف عن فيروس سى يا حاجة اكشفى وبعدين نشوف علاج رجلك”، الصدفة هي ما دفعتها للحضور إلى السيارة، لتجد نفسها بين صفوف من الأفراد كل واحد حمل رقمه الذي يمكنه أن يكون سلاحا بحدين معًا، إما خيرًا وعافية أو مرضا وبداية لرحلة البحث عن العلاج.

نتائج إيجابية
تقول الممرضة المسئولة عن سيارة الأشعة والفحص النهائي: “معظم اللى بييجوا يحللوا بتظهر نتائجهم إيجابية ومصابين خاصة كبار السن من الجنسين، لكن لسه اتنين لقيت معندهمش حاجة ورجعتهم تاني، الناس هنا مبسوطة بإن الحملة مجانية، وبيقتنعوا بالعافية إنهم معافين، وممكن ناس تيجى تحلل مرتين”.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية