رئيس التحرير
عصام كامل

قصة قرية الجواسيس.. دولة الاحتلال تضع عملاءها في سجن مفتوح.. تتجاهل طلباتهم المعيشية.. الخوف من الانتقام يجبر «الخونة» على البقاء.. وانشراح موسى أبرز الأدلة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أن تكون عميلًا لإسرائيل يعنى أنك ستتمتع بمزايا مؤقتة إلى أن يحصل الكيان الصهيونى على غرضه منك، وبمجرد انتهاء مهمتك ستصبح غير صالح للاستخدام مرة أخرى، وسيكون مصيرك مجهولًا كالكثير ممن وقعوا في بئر العمالة والخيانة الفحلة، وانتهى بهم الحال بالعيش في «قرية الجواسيس» التي خصصتها لهم إسرائيل بالنقب حتى لا يعلم أحد عنهم شيئًا.


لن تنفعك الوعود الصهيونية، وستبحث عن نفسك ولن تجدها، وربما لن تحصل حتى على قوت يومك إلا بشق الأنفس، وستقبل بالقليل؛ لأنه لا مفر.

المعاملة الدونية
هذا السيناريو تكرر كثيرًا مع كل من باع نفسه لإسرائيل، ورغم محاولات الكيان الصهيونى التعتيم على المعاملة الدونية لمن خدموا إسرائيل في السابق إلا أن تحقيقًا إسرائيليًّا نجح في اقتحام «قرية الجواسيس» ليكشف طبيعة الحياة في عالم ما بعد الجاسوسية.

القرية المذكورة، والتي تقع بالقرب من جنوب قطاع غزة، تأسست في السبعينيات، وتضم المئات من العملاء الذين خدموا الصهاينة خلال الأعوام الأخيرة، لكن لم يشفع لهم ذلك عند الكيان الذي تركهم يحيون حياة الحيوانات دون أي دخل مادى يعيشون منه داخل قرية تفتقر إلى كل مقومات الحياة الآدمية في قلب الصحراء، ومن بينهم فلسطينيون فروا من الضفة وغزة بعد تعاونهم مع الاحتلال الصهيوني، علمًا بأن هذه القرية تم نقلها إلى النقب بعد الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة في عام 2005.

الخوف من الانتقام
ويفضل مثل هؤلاء العيش داخل تلك القرية، وحياة الفقر المدقع، على البقاء خارجها حتى لا يقعوا تحت وطأة الفلسطينيين الذين لن يتأخروا في الانتقام منهم بسبب خيانتهم للوطن، ولا يكتفى الصهاينة بإهمال هذه القرية فحسب بل يهاجمونها بشدة، ويرى المسئولون الإسرائيليون أن عملاء هذه القرية لم يقدموا خدمات جليلة للكيان الصهيونى بل مجرد معلومات بسيطة، وأنهم يبالغون في حديثهم عن خدمة الاحتلال.

وكان عملاء هذه القرية وأسرهم، الذين يقدر عددهم بنحو 40 عائلة، يعيشون في مبان مصنوعة من الصفيح في منطقة تل عراد بالنقب، غير أن التهديدات بالقتل والمعاملة الخشنة من جانب الفلسطينيين جعلت الاحتلال يحبسهم في القرية المذكورة دون أن يطلق عليها أي اسم.

وهذا المصير يعد سمة غالبة لكل من ينغمس في عالم الجاسوسية الإسرائيلي، ومن يقع عليه الاختيار ولا يكون بشكل اعتباطي، وإنما وفق أطر محددة، وبعد جمع معلومات دقيقة عنه من كل النواحي، ويتم التركيز بشكل كبير على المشكلات التي يعانى منها، وكذلك طموحاته وأهدافه؛ ومن ثم تبدأ عملية التقرب منه ووضع المغريات أمامه، وكلما كان الشخص يغلب عليه هواه أكثر كلما كان سقوطه أسهل، وهذا ما جرى مع كل عملاء إسرائيل السابقين الذين لقوا في النهاية نفس المصير.

الرمي في الشارع
قديمًا لم تكن هذه القرية قائمة، فكان العملاء مصيرهم الرمى في الشارع كما جرى مع أشهر جاسوسة مصرية خدمت الكيان الصهيونى المحتل وهى انشراح موسى، التي تجسست على وطنها من أجل حفنة دولارات، اعترفت بلسانها بأن الموساد الذي خدمته باعها بالرخيص، ووصل بها الحال إلى العمل في تنظيف أرضيات المراحيض العامة لتحصل على مصدر رزق بعد أن فرت إلى إسرائيل.

نموذج آخر ذاق الأمرين حتى ينجو بنفسه من الحبس، وهو الجاسوس «عودة ترابين»، الذي قبع في السجون المصرية نحو 15 عامًا، وخلال تلك المدة كانت إسرائيل تتعامل معه بمبدأ «لا حياة لمن تنادي»، رغم تكرار مناشدته لها من أجل الخلاص.

ومع اقتراب انتهاء الحكم المطبق عليه، استغلته إسرائيل لعمل «شو إعلامي» لخداع كل من يفكر في بيع وطنه بأنه سيحظى بأهمية لدى دولة الاحتلال، وحاول رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وقتها، التقاط الصور معه فور خروجه من السجن.

ولكن بمجرد مرور الزوبعة، عاد ترابين إلى إسرائيل ليواجه عيشة الهوان، حتى الكوخ الصغير الذي بناه بعد شهر من خروجه من السجن هدمته سلطات الاحتلال، ما دفعه للغضب الشديد، والقول: «إنهم يقودوننى إلى الجنون».

وفى تقرير نشرته صحيفة «هاآرتس» العبرية عقب خروجه من السجن أكدت أن ترابين عاد ليعيش في قرية مجهولة لا تعترف بها إسرائيل، في إشارة إلى قرية الجواسيس التي لم يسلط الإعلام الإسرائيلى الضوء عليها وقتها، وعلى ما يبدو أنها القرية المذكورة.

وأضافت الصحيفة أن ترابين مجبر على ذلك؛ لأنه ليس له مأوى ولا توجد أي شقة، حتى ولو غرفة واحدة ليعيش فيها، وخلصت إلى أن الأسئلة حول مستقبل ترابين بعد عودته إلى إسرائيل ستظل بلا إجابات، ما يعنى أنه يواجه نفس المصير المحتوم.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية