رئيس التحرير
عصام كامل

مواجهة «أرض الخوف»


في فيلم (أرض الخوف) اجتمع تاجر البودرة مع تجار الحشيش ليخبرهم بدخول الصنف الجديد إلى مصر مستعرضًا مزاياه في سوق المخدرات.. تذكرت المشهد حينما خرجت من أحد المطاعم ليصطدم بي شاب صغير السن.. أظنني قد لمحت أمثاله كثيرًا في الجامعات والطرقات وأماكن العمل.. مهندمًا.. يحمل موبايل من الأنواع الجيدة.


تبينت ملامح وجهه لأجده شديد الاحتقان.. توسعت حدقتا عينيه كأنه شاهد لتوه فيلمًا مرعبًا بينما أصدر فمه همهمات غير مفهومة.. كدت أسمع دقات قلبه من سرعة خفقانها حتى خشيت عليه من الموت.

خلال دقائق كان الشارع الهادئ قد امتلأ بالمارة الذين تجمعوا حوله بعد أن سقط على الأرض وبدأ في التشنج كأنه يتلقى جرعات كهربائية.. كان المشهد مفزعًا.. اتصل أحدهم بالإسعاف بينما حاول بعضنا إفاقته بالمياه.. ووسط الزحام صرخ أحدهم مفسرًا بأن الصغير تعاطى "استروكس".

أُسدل الستار على قصة الشاب حينما بدأ يسترد قليلًا من وعيه ليتحرك بخطوات ثقيلة ساعده في اجتيازها بعض المارة بينما أعطاه آخرون نصائحهم الصادقة بضرورة الابتعاد عن المخدرات.. لم يكن هناك محاكمة شعبية لفعلته قدر الرثاء لحالته.

بعدها فهمت أن هذا المخدر الجديد وجد طريقه إلى مصر منذ سنوات قليلة ليحصل على حصة من سوق نتمنى إغلاقه للأبد، كما أن أعراض استخدامه تؤدي للموت الذي سيزور هذا الصغير وأمثاله حتمًا طالما استمروا في طريقهم دون أن نساعدهم على مغادرة أرض الخوف التي باتت مساحتها تزداد يوميًا اتساعًا.

ورغم أن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يقوم بأدوار كثيرة في مواجهة المخدرات ولكن في النهاية يظل حجم التعاطي في مصر ضعف المعدل العالمي حيث يوجد عشرة من كل مائة يتعاطون المخدرات مما يؤكد حاجتنا لمزيد من الجهود لمواجهة الكارثة منها التفكير في أهمية التعديلات التشريعية المبتكرة للتصدي للتطور الكبير في أنواع المخدرات، فالمخدر المذكور مثلًا غير مُدرج في جدول المخدرات نظرًا لإعداده من مواد متداولة طبيًا.

عند مراجعة التشريعات قد يرى المختصون أيضًا ضرورة تغليظ عقوبة تجار المخدرات بكل أنواعها مع إجبار المدمن أو المتعاطي على المشاركة في البرامج العلاجية اللازمة أو خدمة المجتمع والتوعية بأضرار المخدرات بعد شفائه منها بدلًا من حبسه الذي قد لا يفيد أحدًا.

ومن واقعنا في أفريقيا إلى تاريخ آسيا، فإن الصين لم تتردد في المحاربة دفاعًا عن مجتمعها، في حروب الأفيون الشهيرة، ورغم الهزيمة إلا أنها استمرت في المقاومة حتى طهرت أرضها من الإدمان، ونحن أيضًا في حاجة إلى حرب إعلامية حقيقية.. نبدأها الآن ويشارك بها الجميع، قادة الفكر والفنانين والرياضيين والشخصيات المؤثرة وغيرهم.. تتناول أضرار المخدرات بطرق غير تقليدية، وبوسائل قادرة على إقناع صغار السن ممن ينتابهم الفضول والرغبة في التجربة، كما يمكن أن تكون البداية في الجامعات والمدارس.

ولأن تطور أنواع المخدرات يتسم بالابتكار يجب أن تكون الحملات الإعلامية أكثر ابتكارًا تُستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي بات الكثير من الشباب يعتمدون عليها في الحصول على معلوماتهم أو تكوين وجهات نظرهم.. سيكون علينا الآن تكثيف جهودنا في مقاومة انتشار المخدرات إذا أردنا مواجهة أرض الخوف.
الجريدة الرسمية