قاتلوهم
ليست المعركة الأولى، كما أنها ليست المعركة الأخيرة التي يقودها جيشنا ضد الأعداء المتسربلين بمسوح الدين، وضد الخوارج الجدد الذين لا ذمة، ولا أمان، ولا عهد لهم، فقد قاتلهم الإمام علي كرم الله وجهه وبعث إليهم الرسل، مناشدهم الله والإسلام، وقام بمناصحتهم، وقد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
"لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار وهم ستة آلاف أتيت عليا فقلت: يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر (أعطني الأمان) لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم.. قال: إني أخاف عليك.. قلت: كلا.. قال ابن عباس: فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن، وكان ابن عباس جميلا جهيرًا، قال ابن عباس: فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون (في القيلولة) فسلمت عليهم فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس فما هذه الحلة؟ قال قلت: ما تعيبون علي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل ونزلت: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"؟!
قالوا: فما جاء بك ؟ قلت: أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقول المخبرون، فعليهم نزل القرآن وهم أعلم بالوحي منكم وفيهم أنزل ليس فيكم منهم أحد، فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشًا فإن الله يقول: «بل هم قوم خصمون».
قال ابن عباس: وأتيت قومًا قط أشد اجتهادًا منهم مسهمة وجوههم من السهر كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم فمضى من حضر، فقال بعضهم: لنكلمنه ولننظرن ما يقول، قلت: أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره والمهاجرين والأنصار؟
قالوا: ثلاثا ! قلت: ما هن؟
قالوا: أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله والله تعالي قال: «إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ» (الأنعام آية:57)، وما للرجال وما للحكم؟ فقلت: هذه واحدة!
قالوا: وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسبِ (من السبي) ولم يغنم فلئن كان الذي قاتل كفارًا لقد حل سبيهم وغنيمتهم ولئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم؟! قلت: هذه اثنتان فما الثالثة؟
قالوا: إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قلت: أعندكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.
فقلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد به قولكم أترضون؟ قالوا: نعم، فقلت: أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله، فأنا عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (المائدة آية: 95)، إِلَى قَوْلِهِ: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (المائدة آية 95)، فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟ وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال، وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا» (النساء آية 35)، فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة، أخرجت عن هذه؟ قالوا: نعم.
قال: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنم؛ أتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها، فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي أمكم ولئن قلتم ليست أمنا لقد كفرتم فإن كفرتم فإن الله يقول: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» (الأحزاب آية 6) فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة! فنظر بعضهم إلى بعض قلت: أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.
وأما قولكم: محى اسمه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون ورأيكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين: أكتب يا على هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله، فقال المشركون: لا والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك تعلم أني رسول الله أكتب يا على هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله فوالله لرسول الله خير من على وما أخرجه من النبوة حين محى نفسه.
قال عبد الله بن عباس: فرجع من القوم ألفان وقتل سائرهم على ضلالة".
هذا ما كان من أمر الخوارج قديمًا، أما حديثا فإنهم يكفرون كل إمام، ويرفضون الطاعة والموادعة، ويشهرون السلاح في وجوه إخوانهم، ويدمرون المساجد والأوطان، ويخربون الدور، ولا يترددون في سفك دماء الأبرياء الآمنين، ويرهبون الآمنين ومن ثم فإن قتالهم واجب على كل إمام اجتمع الناس على إمامته.