الرجل الذي ضاع
اعترف وأنا في كامل قواي العقلية أنني أخطأت في فهم شخصية عبد المنعم أبو الفتوح، فعندما تعرفتُ عليه كان ذلك عندما جمعتنا جماعة الإخوان، وقتها رأيتُه عملاقا قياسا على أقزام الإخوان، وعندما خرجتُ من الجماعة وتعرفتُ على دنيانا الواسعة ورجالها إذا بي أراه قزمًا، كل ما يملكه هو التهور والرعونة والقدرة على إثارة الضجيج، فكان أبو الفتوح هو "جليفر" جماعة الإخوان.
"جليفر" الذي في الرواية الشهيرة ذهب إلى جزيرة للأقزام فكان عملاقا بينهم، ثم ركب سفينته وذهب إلى جزيرة للعمالقة فكان قزمًا بينهم، ولذلك فإنك تستطيع أن تعرف الإنسان وتسبر غور شخصيته عندما تراه في كل المواقف، وحينما اكتسب شهرة ما داخل جماعة الإخوان ظن أنه نال شهرته بسبب تفوقه الفكري عليهم..
وكذلك كنت أعتقده، وبعد أن تركتُ تلك الجماعة وتحررتُ من أسوارها وقيودها ،أخذت فكرتي السابقة عن أبو الفتوح تتغير شيئا فشيئا، إلى أن رأيته على صورته الحقيقية بعد انتخابات الرئاسة التي خاضها ورسب فيها، وكانت تلك الصورة الحقيقية مستغربة عندي، فقد رأيته سطحيا متهورا أرعن يحمل طموحا أعلى من قدراته، وويلٌ لمن تكون طموحاته أعلى من قدراته، وويلٌ لمن لا يرى إلا نفسه فيعجز عن قراءة الواقع، وويلٌ لمن يختلف مع وطنه ويعادي دولته وهو يظن أن هذا الاختلاف معارضة، وهذا العداء سياسة، وقتها ستنحرف بوصلته وتورده موارد التهلكة..
لذلك ومن أجل طموحاته المشروعة في رئاسة مصر سلك سُبلا غير مشروعة، نعم من حق كل إنسان أن يطمح في رئاسة دولته، ولكن ذلك يجب أن يكون عن طريق المسارات الشرعية، فما بالكم برجل يضع يده في يد "معاهد وجمعيات سياسية" مشبوهة في إنجلترا تُدار عن طريق المخابرات البريطانية؟! وما بالكم برجلٍ يروج الأكاذيب عبر قنوات فضائية معادية لمصر، فيزعم أن الشرطة تقتل المواطنين في الشوارع، وتغتال المعارضين، وتسجن كل المعارضين حتى إن السجون- على حد زعمه- مملوءة بأكثر من ستين ألف معارض سلمي طالهم الاعتقال! وما بالكم برجلٍ لا يعرف متى يتكلم، ومتى يسكت، هذا الرجل لا نقول له إلا أن اعتزالك السياسة فرض.