رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية والتسامُح الثقافى


إن الإيمان الحقيقى بالحرية يتواكب تماماً مع فكرة قبول الآخر كما هو، ووجود الاختلاف الثقافى هو جُزء أساسى من الحياة، فمُنذ بدء الخليقة وتلك الاختلافات والخلافات قائمه شئنا أم أبينا، وتكمُن هُنا أهمية الحرية فى كونها الدستور الذى يحكُم الحياة بحيثُ يجد الفرد العدالة حيثُ يعيش.


وتكمُن كثير من المشاكل فى وجود ثقافة مهيمنة فى مُجتمعِ ما وفرضها أسلوب الحياة على كُل الثقافات الأخرى، وذلك على افتراض أنهُم الثقافة الأكثر أهميه أو أحياناً الأكثر نقاء.

ولنبدأ بفكرة قبول الآخر وهى لا تعنى إطلاقاً قبول أو رفض أو تحليل أفكاره أو أسلوب الحياة الذى يتبعهُ، فهذا من شأن الشخص ذاته، فقد ترفُض أفكار شخصِِ ما تماماً، ولكن فى وجود الحرية التى تُغذى التسامُح الثقافى تستطيع التعايُش مع الآخرين وقبولهُم، وقد ترفُض صداقة هؤلاء المُختلفين عنك وهذا حق أصيل لك، لكن وجودهُم هو أمر مُسلم بِه ولن تُعارضه لأنهُ جُزء أساسى من الحياة، حيثُ الاختلاف هو جوهر الكون، ومن المهازل الفكرية أن يعتقد البعض أن من واجبه أن يُغير الآخرين إلى ما يؤمن به على أساس أن ذاك هو الحقيقة المطلقة.

من حق كُل فرد أن يعتقد أن مُعتقداته هى حق مُطلق وغير قابلة للنقاش ومن حقه أيضاً أن يعتقد أن باقى المُعتقدات على غير صواب، لكن علينا دائماً أن نُدرك أن اعتقادنا بعدم نفع فكرة ما لا يُقلل قيمتها، مُحاولات البعض المُستميتة كى يثبتوا فساد فكر الآخرين تعكس غالباً رغبه شديدة فى إثبات صحة ما يعتقد الفرد لنفسه، وتمنى البعض أن يؤمن الجميع بنفس الشىء يتنافى مع طبيعة الحياة.

ولكن الكارثة الحقيقية كما يقول ابن سينا "بُلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم"، وسوف نفهم ذلك حين نتأمل شغف الكثير من الجماعات السلفية أن تهدى المجتمع، بل والعالم كله، فمحاولاتهم الحثيثة لهداية الآخرين ما هى إلا محاولة لإثبات الوجود وإلغاء الطرق المختلفة معهم. وحتى الآن لم يحقق التيار السياسى "الإسلامى" أى نجاح ملموس سوى بعض الكلمات التى تبعثرها إنجازات الحضارة فى مهب الريح، ولم نر حتى الآن على الساحة السياسية ما يقنع، ولو كانت الخطابات تجدى لكنا الآن فى الصفوف الأولى لدول العالم الأول صاحبة القرارات فى عالم اليوم.

والتعايُش مع الاختلاف أحد أهم أركان الحياة التى تتطلب روحا متسامحة مع الحياة، سعيدة بما تؤمن به، رغم اختلاف ذلك مع العالم كُله، لن يُضار العالم إذا اعتقد شخص فى شىء يختلف معهُ العالم كُله، فجوهر الحياة الحقيقى أن نحيا كما نُحب، وليس كما يرغب أو يرى الآخرون، فتلك هى الحياة، وحين نحيا كما رأى الآخرون نُصبح مُجرد مسخاً.

ولكى نستمتع حقاً بتلك الحياة لابُد أن نضع بصمة هى لنا وليس لغيرنا، وعندما نقنع بحياتنا ورؤيتنا لها لن ننشغل كثيراً بحياة الآخرين وسنُصبح أكثر قابلية لقبول الآخر كما هو.

والانشغال بالآخر هو فى حد ذاته عجز عن الانشغال بالذات ومن ثم فهمها، فالآخرون مختلفون فى جميع الأحوال، وحين ننفتح على الآخر بهدوء يُصبح من اليسير التعُلم من وعن الآخر.

والانشغال الزائد بالآخر يُشوه أحياناً كثيرة رؤيتنا لذاتنا. فالإنسان مُطالب دائماً بالبحث داخل ذاته والتعرُف على ما يجعلهُ فى حالة عشق، قد تكون عاشقا للموسيقى، الكيمياء، كُرة القدم، تصميم الملابس، القراءة، الأطفال.

حين يُدرك الإنسان ما يعشق عليه التعامُل بجدية شديدة مع ذاك العشق، فالعشق وحدُه لا يكفى ولابُد أن يصاحبه عمل جاد ومُثمر، وتلك هى الخطوة العملية تجاه تسامُح حقيقى، فالتطور الذاتى الدائم ما هو إلا خطوة أولى تجاه حياة مُثمرة.

والإبحار فى الذات يساعدنا بشدة أن نصبح ما نريد أن نكون، فغالباً الشخصيات المشوهة غير السعيدة بما تقوم به فى الحياة، ولذا فلا تستطيع تقبل اختلاف الآخرين، فلن تتقبل الآخرين قبل أن تقبل نفسك ولن تحب أى آخر قبل أن تحب نفسك.
الجريدة الرسمية