في رحاب كريشنا.. 10 أيام في بلاد الهند.. متحف غاندي ينسف عبارة «أنت فاكرني هندي».. «مومباي» أكبر مغسلة ملابس في قارات العالم.. و«Grand Island» تقدم «الأكل المشطشط
كثير من الخيال احتاج إليه الإنجليزي لويس كارول لتأليف عمله شديد التشويق «أليس في بلاد العجائب»، لكن ربما لو زار كارول بلاد الهند، لتأكد أن الواقع يحوي من الغرائب ما يفوق خياله.
واشتهرت الهند على مدار التاريخ أنها بلد العجائب في كل شيء بدءًا من طبيعتها الجغرافية حتى تناغم سكانها العِرقي والفلسفي.
10 أيام قضتها محررة «فيتو» في الهند لتصف رحلة لا تقل في متعتها عن رحلة "أليس في بلاد العجائب".
رحلة إلى الخيال
ربط ركاب الطائرة الأحزمة، علا صوت المحركات، والمضيفات يصدرن تعليمات الأمان، وقائد الطائرة يعدها للإقلاع من مطار القاهرة الدولي.
وبعد برهة من الزمن حلقت قلوبنا قبل أن تحلق أجسادنا، يغمرنا شوق لرؤية ذاك البلد الذي طالما حلمنا به، ذلك الحلم الذي بات يُداعب أحلامنا في كثير من الليالي، إلى أن جاء يوم 25 يناير الماضي لنسافر إلى الهند.
بعد مرور ثلاث ساعات من إقلاع الطائرة وصلنا إلى مطار البحرين، ومكثنا فيه مدة خمس ساعات "ترانزيت" استعدادًا لاستقلال الطائرة المتجهة إلى مومباي.
كانت البسمة تعلو وجوهنا، والقلب متلهف للوصول، حتى سمعنا إخطار قائد الطائرة بالالتزام بالمقاعد استعدادًا للهبوط، وبالفعل، هبطت الطائرة بمطار مومباي في الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين من الشهر بفارق توقيت ثلاث ساعات ونصف الساعة عن القاهرة لتبدأ الرحلة التي طال انتظارها.
في رحاب كريشنا
بدأ يومنا بتفقد المنطقة المحيطة بالفندق الذي نزلنا به، وكم كان الحظ حليفنا إذ كان الفندق يقع بجانبه معبد هندوسي وكنيسة ومسجد في مشهد تتجلى فيه الوحدة الوطنية بين أبناء بلاد العجائب.
حين دخلنا المعبد رحب المصلون من الديانة الهندوسية بنا أشد ترحاب، ودعونا للجلوس وحضور طقوسهم، فهذا كاهن يؤدي الشعائر الدينية ويتلو الصلوات أثناء تقديم جوز الهند والأطعمة الأخرى للضيوف، وذاك آخر يشرح لنا الطقوس وأسماء الآلهة وهو يستمع لنا بصدر رحب وأبرزهم كريشنا.
بعد ذلك، توجهنا لزيارة متحف الشمع، وكان زاخرًا بتماثيل لبعض مشاهير الهند والعالم، والتقطنا صورًا تذكارية مضحكة معهم.
وفي طريق عودتنا إلى الفندق، التقينا رجلا هنديا يقطن بجانبنا، كان حسن السلوك وطيب القلب؛ فقد دعانا إلى الفطور في منزله في اليوم التالي للتعرف على عائلته الكبيرة؛ فقد كان يسكن مع زوجته وأبنائه وأخيه وأبناء أخيه وأمه العجوز التي يرعاها، حيث تظل الأسرة لعدة أجيال في منزل واحد كبير، ولعل هذه إحدى أجمل عادات وتقاليد الهنود التي يحتفظون بها إلى يومنا هذا.
هدايا شاروخان
وينتهي يوم ويبدأ يوم جديد، يوم السبت، استيقظنا جميعًا والهمة تملأ قلوبنا والنشاط يغمر عروقنا، وتوجهنا إلى منزل الفنان الكبير"شاروخان"، ذلك الفنان الذي أبهرنا بأفلامه طوال سنين عديدة، وكلنا أمل للقائه، لكن لسوء الحظ لم يكن موجودًا في ذلك الوقت، فأرسلنا إليه هدايا وتذكارات مصرية وتركناها مع رجال الأمن المكلفين بحراسة منزله، الذين تقبلوها بكل احترام وحفاوة ووعدونا بإرسالها إليه فور عودته.
وبعد ذلك، ذهبنا إلى مكان يسمى "elephanta"، كان زاخرًا بالباعة الذين يتجولون بالأطعمة الشهية والحلي الهندية، والابتسامة تعلو وجوههم، دون كلل أو ملل، من صغيرهم إلى كبيرهم، ومن الرجال إلى النساء، كما أن القردة كانت تقفز حولنا، ونحن نطعمها الخبز أو ما شابه ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، رأينا أكبر مغسلة في العالم، وهي عبارة عن منطقة تمتد على مساحة كبيرة، تُغسَل فيها أكثر من مائة ألف قطعة ملابس يوميًا عبر أحواض ممتلئة بالماء.
غاندي العظيم
"أنت فاكرني هندي؟!".. كثيرًا ما نسمع هذه المقولة في مصر إشارة إلى قلة العقل أو الحماقة في التصرف، لكن التاريخ يثبت أن ما فعله "غاندي" أو كما يُقال له في الهند "المهاتما غاندي" أي "العظيم" ينفي هذه المغالطة الشائعة، فقد زرنا متحفه الذي كان سابقا منزل صديقه الذي أقام عنده سبع عشرة سنة، وشاهدنا بطولته – عن طريق نماذج مصغرة- التي تجلت في بعض المواقف كمُقاطعة البضائع الإنجليزية (أثناء الاحتلال البريطاني للهند) ومسيرة الملح والمظاهرات التي قادها.
وتغيرت وجهتنا لتكون مركز نهرو العلمي Nehru Science Centre، فهو مناسب لجميع الأعمار، لما يحتويه من نماذج تعليمية مصغرة لشتى مجالات العلم.
أتوبيس النوم
وفي مساء هذا اليوم، ركبنا حافلة لننتقل إلى ولاية أخرى هي ولاية جوا، وكانت الحافلة تضم العديد من الأسَّرة لطول المسافة بين الولايتين حتى وصلنا إليها في ظهر يوم الإثنين.
وما إن ألقينا حقائبنا في الفندق الذي استأجرنا فيه حتى تسكعنا في شوارع هذه المدينة الجديدة، والشغف يملؤنا لنجمع الذكريات عنها كما فعلنا مع سابقتها.
ومن أغرب ما رأينا في تلك المدينة: الأبقار المتجولة في الشوارع وسط السيارات، والمارين يداعبونها ضاحكين مبتسمين، كان ذلك أحد المشاهد التي تنم عن بساطة وطيبة الشعب الهندي من جانب، وعن تقديرهم لهذا الحيوان الذي طالما عُرِف احترامهم له منذ قرون طويلة.
في اليوم التالي، يوم الثلاثاء، كنا على موعد للسباحة في شلالات "Dudh Sagar" حيث كان علينا استقلال سيارة دفع رباعي للوصول إليها لوقوعها في منطقة مرتفعة، كما تسلقنا الصخور وأغصان الأشجار والتقطنا صورًا تذكارية جميلة.
أكل «مشطشط»
من الصعب أن نذكر هذه المدينة دون ذكر أسواقها؛ فقد ذهبنا يوم الأربعاء إلى "Anjuna Market" وهو سوق خاص ببيع الملابس على الطراز الهندي كالساري وغيره من الملابس الشعبية بأسعار مناسبة لجميع الفئات، كما تشتمل هذه السوق على هدايا تذكارية كرمز لهذا البلد مثل تماثيل الأفيال والقردة والحلي والأقراط والخلاخيل المقرونة بالأجراس وغيرها.
انتهى يوم الأربعاء وخَلدنا إلى النوم وأصبحنا يوم الخميس أول أيام شهر فبراير، كان هذا اليوم مميزًا بالنسبة إليّ؛ ففيه ركبنا البحر متوجهين نحو Grand Island""، وهي جزيرة في وسط المحيط الهندي، تقدم مأكولات هندية شعبية كالدجاج المتبل "بالماسالا" و"التندوري" و"الكاري" مع الأرز بالكمون، والسمك المشوي على الطريقة الهندية، حقًا، كان طعامًا شهيًا للغاية رغم أنه «مشطشط».
ومن أبرز المواقف التي لا يمكن نسيانها في هذا اليوم، مقابلتنا لبعض الأصدقاء الهنود، حيث غنينا بالعربية والهندية، ورقصنا معهم، وعلمناهم بعض الكلمات العربية، والتقطنا صورا تذكارية معهم.
بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتوزيع بطاقات دعاية سياحية لزيارة مصر، وكان الهنود ومعهم أجانب من دول أخرى يتبارون لالتقاط البطاقات ويؤكدون لنا تمنيهم زيارة مصر.
أوشكت الرحلة على الانتهاء، فها هو يوم الجمعة، استيقظنا وكلنا حماسة وشغف، وكان السؤال يطرح نفسه كيف نستغل هذا اليوم أحسن استغلال؟! فقصدنا "جوا القديمة" أو "Panaji" عاصمة هذه الولاية، فيها زرنا العديد من المعالم السياحية كالكنائس والمعابد، إلى أن حلّ الليل علينا فركبنا الحافلة المتجهة إلى مومباي حتى وصلنا في صباح يوم السبت.
العودة إلى الواقع
وها قد جاء اليوم الأخير، يوم السبت، ختام هذه المغامرة الأجمل والأغرب والأمتع من نوعها، ذلك اليوم الذي قضيناه في التسوق لشراء بعض الهدايا لبقية الأقارب والأصدقاء، ذلك اليوم الذي كنا نحصي ساعاته ودقائقه خوفًا أن ينقضي سريعًا.. لكن للأسف، لكل شيء نهاية، فوجبت علينا العودة إلى مطار مومباي لاستقلال الطائرة العائدة إلى مصرنا الحبيبة.
ومن الجدير بالذكر، أنني لم أشعر إطلاقًا بمرور الأيام، ولم أفكر يومًا في موعد نهاية هذه الرحلة؛ بل على العكس، فقد ارتبطت نفسيًا بمن كانوا معي من الرفاق، فكيف لي أن أفارق أناسًا تشاركت معهم أجمل ذّكريات حياتي إلى الآن؟!
أقر وأعترف، أني كثيرة الامتنان لكل فرد رسم البسمة على وجهي خلال هذه الرحلة، لكل فرد ضحكت معه حتى كادت جنباتي تنقد من الضحك، لكل فرد اكتشفته واكتشفت طبيعة شخصيته عن قرب.
كانت لحظات الوداع في مطار القاهرة أصعب ما يكون؛ فقد كنت أتجنب إلقاء التحية عليهم حتى لا أجهش بالبكاء.. وأخيرًا، عاهدنا بعضنا البعض على دوام الحديث واللقاء، آملين أن نلتقي مجددًا في رحلة جديدة، ومغامرة جديدة!