«جميلة بوحيرد».. أيقونة الحرية والنضال ورمز التضحية من أجل الوطن
في أسوان..جنة الله على أرض المحروسة.. وعلى مدى أسبوع كامل.. تُقام فعاليات «مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة» الذي ينظمه المجلس القومى للمرأة، بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة، وتحمل دورته الثانية اسم سيدة ملهمة ومناضلة اسم «جميلة بوحيرد». تلك السيدة التي ضربت بشجاعتها وعشقها لوطنها خير مثال للرجال والنساء على حد سواء، وسطرت بنضالها اسمها بحروف من ذهب في تاريخ الوطن العربى، وتحملت من أجل وطنها ما لا يُحتمل.
«جميلة بوحيرد– امرأة ملهمة مناضلة».. عنوان الدورة التي حرص المسئولون عنها قبيل انطلاقها على تكريم تلك الجميلة. فاصطف لاستقبالها رموز للمرأة المصرية وتعالت مع دخولها أصوات التصفيق الحاد أما هي فقد استقبلت تكريم «أم الدنيا» بالدموع وعلامة النصر وبكلمات من القلب حاولت أن تصيغها باللهجة المصرية بالرغم من أن الفرنسية هي لغتها الأساسية؛ لكي تعبر من خلالها على حبها لمصر الملهمة وعن سعادتها بحفاوة التكريم في مهرجان وبلد يثمن المرأة ويقدرها ويؤمن أن الاهتمام بالمرأة في الحاضر لا يكتمل إلا بتقدير رموز الماضي التي تُعد جميلة في مقدمتهم. فقد كانت رمزًا للحرية في زمن الاستعمار والعبودية والاستعمار وخير مثال للكفاح والتضحية من أجل الوطن «جميلة» ذات الملامح الرقيقة التي لا تعكس تاريخًا طويلًا من النضال وتحمل العذاب والآلام من أجل بلد المليون شهيد.
كان حى القصبة العثماني بالجزائر العاصمة عام 1935 على موعد مع مولد تلك المناضلة التي ألهمت العالم، حيث ولدت جميلة لأب جزائري وأم تونسية من مدينة صفاقس. كانت الأنثى الوحيدة في أسرتها المكونة من 5 صبية، غرست تلك الأسرة حب الوطن في نفس الصغيرة منذ نعومة أظافرها، وتعلمت من أهلها معنى كلمة وطن وأن «الجزائر» عشق وأنها عربية جزائرية وليست فرنسية.
ومع اندلاع الثورة الجزائرية عام 1954 انضمت جميلة عن طريق شقيقها إلى جبهة التحرير الجزائرية التي كانت تناضل ضد الاحتلال الفرنسي في بلادها والتحقت حينها بصفوف الفدائيين، كانت عضو نشط وفعال في الجبهة تتطوع لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، وهو ما جعلها هدفًا رئيسيًا لقوات الاحتلال التي تمكنت من القبض عليها في عملية دهم بعد إصابتها برصاصة في كتفها الأيسر بالقرب من القلب عام 1957 وبدأت بعد القبض عليها رحلة العذاب.
في المستشفى وبينما كان يجب أن تتلقى ما تحتاج من العلاج كان علاجها من وجهة النظر الفرنسية هو المزيد من العذاب والآلام أيام متواصلة تعرضت فيهم جميلة للصعق الكهربائي؛ لكي تفصح عن أسماء زملائها في الكفاح، وبالرغم من أنها كانت تغيب عن الوعي من فرط الآلام إلا أنها حينما كانت تفيق لم يكن لسانها ينطق سوى بجملة واحدة.. «الجزائر أمنا».
مع الوقت فقد المعذبون الأمل في اعترافها ووجدوا أن لا مصير مناسب لإرهابية مثلها سوى الموت، وفى المحكمة الصورية التي عقدت أمام المحكمة الفرنسية قالت جملتها الشهيرة «أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة».
وبالفعل حكمت المحكمة عليها بالإعدام واستقبلت الحكم بضحكة مجلجلة ورددت «تحيا الجزائر حرة مستقلة الله أكبر»، حاول الكثيرون إقناعها أن تكتب رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسي لتستعطفه فيعفو عنها وفقًا للقانون الفرنسي ورفضت وقالت أنها ليست فرنسية.
وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ حكم الإعدام وفي سابقة نادرة ثار العالم وانهالت برقيات الاستنكار على الجزائر وعلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للمطالبة بإطلاق سراح جميلة. فقد كانت صغيرة ولم تستح فرنسا من تنظيم محاكمة عسكرية لها وتحت الضغط العالمي ومع جهود محاميها الفرنسي جاك فيرجيس لتشكيل رأي عام ضاغط تم تعديل الحكم إلى السجن مدى الحياة.
قضت جميلة عامين ونصف في سجن سركاجى بالجزائر العاصمة، وبعدها رحلتها السلطات الفرنسية لسجن فرنسي نجحت الثورة الجزائرية وحصلت الجزائر على استقلالها عام 1962، حينها خرجت «جميلة بوحيرد» من السجن. وكانت على موعد مع بداية جديدة ومرحلة جديدة من حياتها، وكانت القاهرة من المحطات التي زارتها حيث استقبلها الشعب المصري بحفاوة كبيرة واستضافها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في منزله في القبة باعتبارها رمزًا للحرية والتضحية وحب الوطن. وظلت حتى يومنا هذا خير رمز للمرأة العربية وخير سفيرة للحرية والنضال.