لغز أول علبة تونة مصرية
قرأت منذ أسبوع تقريبًا في بعض الجرائد الرسمية، ومنها جريدة أخبار اليوم في عدد السبت الماضي، وبعض المواقع الإلكترونية الخاصة بوسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، أن مصر أنجزت أول علبة تونة بديلا عن استيراد التونة الذي يكلف الدولة أكثر من 2 مليار جنيه، فاستبشرت خيرا وشعرت أن ما أنادي به من ضرورة ترشيد الاستيراد، وإيجاد منتج محلي بديلا للمستورد قد دخل حيز التنفيذ، وهو الأمر الذي طالما دعا إليه الرئيس السيسي وحث على إيجاده؛ بتشجيع الصناعات الصغيرة وبدائل المستورد، وذلك هو الطريق الوحيد لتوافر الدولار، وبالتالي انخفاض الأسعار..
فكان الخبر الذي نشر في فترة سابقة من هذا الشهر يذكر أنه في إطار التعاون العلمي بين الهيئة العامة لمدينة الأبحاث العلمية والصناعة للتوصل لأنسب طرق للاستفادة من الإمكانيات المتاحة للتقدم بالعملية البحثية لخدمة التنمية المستدامة، تلقى الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، تقريرًا مقدمًا من الدكتورة مها الدملاوي، مدير مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية ببرج العرب، حول توقيع بروتوكول تعاون بين المدينة وإحدى الشركات العاملة في مجال تصنيع الأسماك لتطوير وتصنيع التونة المصرية.
وقد أكد أحد المسئولين أن العمل على تطوير وإنتاج هذا المنتج استمر لأكثر من عام من خلال التجارب العلمية والبحثية في معامل قسم تكنولوجيا الأغذية بمدينة الأبحاث ومصانع الشركة، حتى تم التوصل إلى المنتج النهائي بالمواصفات العالمية وبجودة عالية، مضيفًا أننا بذلك توصلنا إلى منتج مصري تفوق على المنتج المستورد، وأن أهم ما يميز هذا المنتج المصري الخالص هو جودته العالية والحفاظ على القيمة الغذائية دون الاستعانة بأي إضافات صناعية، حيث تم استخدام جميع الإضافات والمواد الحافظة من مصادر طبيعية 100% لتجنب الأضرار الناتجة على الصحة وليصل المنتج بشكل آمن وجيد للمستهلك.
وكنت قد قرأت خبرا سابقا في شهر ديسمبر 2017 – أي قبل ذلك الخبر الذي نشر تحت عنوان "أول علبة تونة مصرية" بما يقارب من ثلاثة أشهر- يُذكر فيه عودة العمل بمصنع "إدفينا" بعزبة البرج بدمياط، ليقوم بإنتاج أول علبة تونة بعد توقف دام لـ25 عاما، حيث استطاع المصنع أن يفلت من البيع وإن تناله الخصخصة مثله مثل الكثير من المصانع.
ويعد إدفينا من المصانع القليلة التي تتبع القطاع العام، ويعمل به 88 عاملا وعاملة، بالإضافة إلى 65 إنتاجًا وهندسة، ويعملون في وردية واحدة، من السابعة صباحًا حتى الثالثة ظهرًا، وكان عدد العاملين في السابق 1800 عامل، يعملون في 3 ورديات.. وقد كان هذا المصنع في السابق ينتج التونة وجميع أنواع الأسماك، ولكن نظرًا لعدم توافر الدعم والإمكانات تم التوقف عن إنتاج الكثير من المنتجات وجاء عدد من الإعلاميين من أبناء دمياط وقاموا بإنتاج وعمل فيلم قصير عن التونة وصيد التونة بعزبة البرج، والمطالبة بإعادة إنتاج التونة من جديد بمصنع إدفينا فتمكن العاملون من إصلاح بعض الماكينات منذ شهور وتم بالفعل إعادة إنتاج التونة بعزبة البرج.
وذكر أحد العاملين بالمصنع أن علبة التونة التجريبية التي تم إنتاجها، تم تصنيعها من سمك تونة "الألباكور"، الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، والتي يقوم بصيدها أسطول الصيد في عزبة البرج، مؤكدا أن نوع لحم هذه السمكة من أجود أنواع سمك التونة الذي نستورده من دول أخرى.
ومن المعروف أن مصنع شركة إدفينا تم تأسيسه في البداية ليقوم بتصنيع وتعليب الأسماك حيث تكون من وحدة فرز وغسيل وتجهيز الأسماك بطريق قطع الرأس والذيل، بالإضافة إلى وحدة طبخ وعدد من ماكينات قفل العبوات "البيضاوية والمستطيلة 120 جراما و170 جراما و350 جراما" وكذلك جهاز أتوكلافات التعقيم، وعدد من الثلاجات بالمصنع، واعتمد المصنع في البداية على تصنيع وتعبئة الأسماك التي يتم اصطيادها محليًا بواسطة مراكب أهالي عزبة البرج خاصة منتجات السردين..
ومع بناء السد العالي ونضوب الطحالب المصاحبة للفيضانات نقص الغذاء الطبيعي لهذه الأسماك، مما أدى إلى عدم توافرها بالكميات الاقتصادية التي تسمح بالتشغيل، وتم بعدها الاتجاه إلى استيراد الأسماك من أنواع السردين والماكريل ويتم تخزينها بثلاجات الشركة بدمياط، وبعدها تم تطوير المصنع بإدخال وحدة ديفروست "فك الأسماك المجمدة".
إذًا ما فهمته من هذا الخبر الثاني الذي نشر قبل الخبر السابق، أن مصنع "إدفينا" قد نجح بالفعل في إنتاج أول علبة تونة مصرية، وذلك بجهود العاملين فقط، بعد أن قام بعض إعلاميي دمياط بتصوير فيلم عن المصنع وحالته؛ مما جعل العمال والمسئولين يتكاتفون لإعادة إنتاج المصنع للتونة التي كان ينتجها في السابق، وذلك دون الإشارة بالطبع إلى ما جاء في الخبر الأول الذي ذكر أيضًا أنه وفقًا للأبحاث العلمية والتعاون العلمي بين الهيئة العامة لمدينة الأبحاث العلمية والصناعة تلقى الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، تقريرا يفيد بالنجاح في الوصول إلى أول علبة تونة مصرية، فهل المقصود بذلك علبة إدفينا؟
إن كان ذلك صحيحًا فلماذا لم يذكر مسئولو الشركة ذلك عند الإعلان عن أول علبة تونة؟ وذكروا أن إنتاجهم جاء بالجهود الذاتية دون مساعدة من الدولة ممثلة في أي جهة؟ وإن لم يكن المقصود بذلك علبة إدفينا فيصبح لدينا علبتان كل منهما تنافس على أن تكون أول علبة مصرية لإنتاج التونة.
وعلى العموم أنا جد سعيد بهذه الأخبار ولا يهمني أيهما السابق، ولكن كان يجب توضيح الصورة من الناحية المهنية لا أكثر، وحتى توجه الدولة مجهودها للمصنع والجهات التي تنتج التونة المصرية، وتتوجه بالشكر الحقيقي لمن ساهم في ذلك الجهد سواء عمال المصنع أو أكاديميي البحث العلمي.