عندما غاب العقل والوعي (١)
وصل الإخوان إلى سدة الحكم في مصر في ٣٠ يونيو من عام ٢٠١٢.. أذهلتهم المفاجأة وأفقدتهم توازنهم، تمامًا كالذي انتقل مباشرة من الظلام الحالك إلى الضوء المبهر، فلا يكاد يرى ما حوله إلا أشباحًا.. لقد تحقق لهم ما لم يكونوا يحلمون به أو يتخيلوه.. إذ كان جل حلمهم أن يتاح لهم قدر من الحرية يمارسون فيها دعوتهم، وحركتهم، وتواصلهم مع الناس، فإذا بهم، بين عشية وضحاها على قمة هرم السلطة.. وبدلا من التواضع لله والاعتراف بفضله، أصابتهم فتنتها؛ الكبر والغطرسة والغرور والتعالي على الخلق..
كانوا يعتقدون أنهم سوف يبقون في السلطة قرونًا، لكنهم لم يمكثوا فيها إلا عامًا واحدًا.. وبسبب فشلهم وسوء إدارتهم، قامت ثورة ٣٠ يونيو، وأطيح بحكمهم في ٣ يوليو.. حينذاك، أصابتهم صدمة غاب معها العقل والوعي.. لقد ضاع كل شيء؛ الحلم، والأمل، والقوة، والهيمنة، والسلطة..
للأسف، لم تكن القضية محاولة جادة وواعية للقضاء على الإرث الخرب الذي تركه نظام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أو الارتقاء بالمجتمع (أخلاقيًا وإيمانيًا وإنسانيًا)، أو النهوض بالدولة (سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا)، وإنما كانت محاولة لإحكام القبضة وبسط الهيمنة والسيطرة، على وهم أن حيازة القوة -أولا- سوف تمكن من ذلك كله.. وكان الاعتصامان المسلحان في رابعة والنهضة، لاستعادة السلطة، جزءًا من هذا التصور..
ولا شك أن ثورة ٣٠ يونيو، والإطاحة بحكم الإخوان، ثم فض الاعتصامين بالقوة، أشعل في نفوس الإخوان ومناصريهم روح الثأر والانتقام، وهو ما يفسر لنا كل أعمال العنف والإرهاب، ووقوع البعض منهم في هاوية التكفير....
والحقيقة أن الإخوان لم يكونوا مهيئين على أي نحو لتولي السلطة في مصر.. فجسم الجماعة كان معتلا، يعانى من قصور وخلل واضح في الرؤية الإستراتيجية، وفقه الواقع، والمنهجية العلمية في التفكير، علاوة على تراجع منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية.. لم تكن لديهم خبرة سابقة أو تجربة حية تساعدهم وتعينهم على إدارة دولة بوزن وحجم مصر..
تصوروا أن إدارة هذه الدولة (ممثلة في الشعب والوطن والمؤسسات) لن تختلف كثيرًا عن إدارة جماعة تشكل جزءًا صغيرًا من المجتمع، ويخضع أفرادها لثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة.. لذا، كان الاضطراب والارتباك واضحين منذ اللحظة الأولى لتولى السلطة.. فكان الصدام مع المحكمة الدستورية العليا، ورفاق الثورة، والجماعة الوطنية.. إلخ.
وكانت المفاجأة التي لا تخطر على البال، وهى إصدار الإعلان الدستوري الكارثي المشئوم في ٢١ نوفمبر ٢٠١٢، الذي نصب فيه مرسي نفسه فرعونًا جديدًا لمصر، فلا أحد يعقب على قراراته، ولا أحد يجوز له الطعن عليه.. (وللحديث بقية إن شاء الله)..