خفاجي في بحثه عن المشاركة الشعبية بالانتخابات الرئاسية: الأمن نعمة
تناول الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في الجزء الخامس من بحثه القيم عن "المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية دراسة تحليلية في المدخل لتحقيق التنمية والاستقرار الأمن للوطن.. دراسة تحليلية في الفكر الدستوري والسياسي في ظل الأنظمة الديمقراطية والمتولدة عقب الثورات الحاضنة لتحديث الدولة"، عدة نقاط مهمة مستجدة تتعلق بحق التنمية للشعوب والشراكة بين الدولة والمواطن ومكافحة الفساد وتأثير ذلك على المشاركة الشعبية في الانتخابات.
وقال المستشار الدكتور محمد خفاجي، إن الأمن والأمان في حياة الدول نعمة لا تعادلها نعمة لا يشعُر بها إلا الشعوب التي ذاقت التشرد والضياع، ويجبُ علينا إدراك قيمة هذه النِّعمة، وأنْ نتذكَّرها، وأنْ نعرف كيف نُحافِظ عليها، وأنْ نحذر من أسباب زوالها، خاصَّة أنَّ أعداء مصر يُحاوِلون جادِّين زعزعة استِقرار البلاد وأمنها، مستغلِّين في ذلك بعضًا من أبناء هذا الوطن، بتلويث أفكارهم وتحريضهم على ما يضرُّهم ولا ينفعُهم، فيجب علينا أن نعرف قدرَ هذه النِّعمة جيدًا، وأن نحافظ عليها بشتى أنواع الوسائل حتى نأمنَ في وطننا ولا يتحقق ذلك إلا بمشاركة شعبية جادة للمواطنين في الانتخابات الرئاسية في تلك المرحلة الفاصلة في تاريخ بلادنا ، إن الأمن في الأوطان مطلب للحياة فحياةٌ بلا أمن تعني فقدان الروح للجسد.
وأضاف الدكتور محمد خفاجي، أن الأمن الذي أقصده هنا ليس الأمن بمفهومه التقليدي الضيِّق المتمثِّل في مجرَّد حماية المجتمع من السرقة أو النَّهب أو القتل إنما الأمن بمفهومه الشامل في حماية عقول المجتمع، ولا ريب أن الأمن على العقول لا يقلُّ أهميَّة عن أمن الأرواح والأموال، فكما للأرواح والأموال لصوصًا، فإن للعقول لصوصًا كذلك، ولصوص العقول أشدُّ خطرًا على البلاد وأنكى جرحًا من سائر اللصوص لانهم يخربون في عقل الأمة للانصياع لهم وانهيار بلادهم كما حدث في بلاد عربية أخرى تم تشريد شعوبها وكانت حتى في العهد القريب ينعم شعبها بالحياة الاَمنة.
وتابع لقد أدركت الدولة بعد ثورة 30 يونيو 2013 أن التطور الإيجابي للتنمية، لا يتحقق بمجرد توافر الموارد الطبيعية على اختلافها، بل يتعين أن تقترن وفرتها بالاستثمار الأفضل لعناصرها، باعتبار أن هذه الموارد نبض الحياة وقوامها، فلا يجوز أن تبدد إسرافًا، فإن الحفاظ على تلك الموارد وحُسن استغلالها قابلًا للاستخدام في كل الأغراض التي تقبلها، يغدو واجبا وطنيًا، لذا ارتقى المشرع الدستورى وفقًا للمادة 32 منه بموارد الدولة الطبيعية وجعلها ملكًا للشعب وإلزم الدولة بالحفاظ عليها وحُسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال المقبلة، كما ألزم الدولة بالعمل على استغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار فيها وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها، وتشجيع تصنيع المواد الأولية وزيادة قيمتها المضافة وفقًا للجدوى الاقتصادية.
وأوضح أن الحق في التنمية - وعلى ما تنص عليه المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية - وثيق الصلة بالحق في الحياة، وكذلك بالحق في بناء قاعدة اقتصادية تتوافر أسبابها، وعلى الأخص من خلال اعتماد الدول - كل منها في نطاقها الإقليمي - على مواردها الطبيعية ليكون الانتفاع بها حقًا مقصورًا على أصحابها من شعوب دولها.
وقد أكد الإعلان الصادر في 4/12/1986 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في شأن التنمية 128/41 أهميتها بوصفها من الحقوق الإنسانية التي لا يجوز النزول عنها، وأن كل فرد ينبغي أن يكون مشاركًا إيجابيًا فيها، باعتباره محورها، وإليه يرتد عائدها، وأن مسئولية الدول في شأنها مسئولية أولية تقتضيها أن تتعاون مع بعضها البعض من أجل ضمانها وإنهاء معوقاتها، وأن تتخذ التدابير الوطنية والدولية التي تيسر الطريق إلى التنمية بما يكفل الأوضاع الأفضل للنهوض الكامل بمتطلباتها، وعليها أن تعمل - في هذا الإطار - على أن تقيم نظامًا اقتصاديا دوليا جديدًا يؤسس على تكافؤ الدول في سيادتها وتداخل علائقها وتبادل مصالحها وتعاونها.
وذكر أن هذه التنمية هي التي قرر المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا خلال الفترة من 14 إلى 25 يونيو 1993 ارتباطها بالديموقراطية، وبصون حقوق الإنسان واحترامها، وأنها جميعا تتبادل التأثير فيما بينها، ذلك أن الديمقراطية أساسها الإرادة الحرة التي تعبر الأمم من خلالها عن خياراتها لنظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإسهامها المتكامل في مظاهر حياتها على اختلافها.
كذلك فإن استيفاء التنمية لمتطلباتها - وباعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان لا يقبل تعديلًا أو تحويلًا - ينبغي أن يكون إنصافا لكل الأجيال، لتقابل احتياجاتها البيئية والتنموية، وعلى تقدير أن الحق في الحياة، وكذلك صحة كل إنسان، يتعرضان لأفدح المخاطر من البعض ، ومن ثم يدعو المؤتمر الدول جميعها لأن تتعاون فيما بينها من أجل مجابهة هذه المخاطر، وأن تقبل التقيد بكل معاهدة دولية معمول بها في هذا المجال، وتنفيذها تنفيذًا صارمًا لصالح الشعوب.