رئيس التحرير
عصام كامل

مستشار.. وراح!


هل بلغكم ما فعله المستشار محمد فؤاد جادالله بعقول العامة ومعهم الخاصة؟ أظن أن ذلك قد وصل إلى أسماعكم ربما فى قنوات فضائية وأخرى أرضية وثالثة نص نص..


هل أصابكم دوار خروجه المدوى باعتباره القاضى الثائر ضد الظلم الإخوانى والجبروت الرئاسى؟ أعتقد -وليس كل اعتقاد صحيح- أنه قد وصل إليكم ما فعله الرجل بأصدقائه من جماعة الإخوان التى أئتمنته على ما بداخل الدار فكان منه ما كان.

وإن كنت من هؤلاء الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إلا فى حالة المستشار الثائر فقد كنت على غير هدى مع كل من صوروه للعامة وآخرين على أنه هو الغاضب من أجل رفاقه فى القضاء، أو أصدقائه على المنصة، أو أنه لاسمح الله لم يحتمل هجمة الجماعة على ميزان العدالة، فكان منه ما كان .

وقد قال قائل من بينهم إن المستشار لم يقبل وجوده بعد أن تنامى إلى سمعه أن جماعة الإخوان قد تظاهرت بليل دون أن يستشيروه ضد القضاء، وأنه فور علمه من مصادر سرية أنهم قد فعلوا فعلتهم دون إذن منه أخذ قراره باستقالة مدوية قال فيها كلاما لا يخرج إلا من أبطال.

ورغم أن سيادته لم يضبط يوما فى حالة ثورية -معاذ الله- ولم يشاهده أحد أواخر أيام رحيل مبارك عندما تصدر المشهد، وظهر فى عدة مرات أمام كاميرات المصورين، فأصبح واحدا ممن طردوا مبارك من قصوره.. هكذا صور له خياله وساعده بعض رفاق رأوه فعلا فى الميدان.

والمستشار محمد فؤاد جادالله أيضا لم يكن فى يوم من الأيام محسوبا على هؤلاء الناس الذين يضحون من أجل غيرهم، فقد أحب ذاته بشكل يثير الإعجاب، وأخلص لها كما لم يخلص لغيرها، وظل طائرا مغردا يتنقل هنا وهناك حريصا على مصالحه، ومصالح ذويه، ولم يتورط يوما من الأيام فى فعل ثورى، ولا غير ثورى، وظل طوال عمره يبحث عن فرصة يعلو بها، شأنه شأن كثيرين غيره، منذ أن رعاه المستشار المحبوب يحيى عبدالمجيد، وضمه إلى إدارة فتوى الداخلية والخارجية التى كان يترأسها حين ذاك.

ومنحت الدنيا وجهها للمستشار المقرب من الرجل الكبير فى ذلك الوقت، وبعدها عرف طريق النجاح ليصل إلى دولة قطر منضما إلى كيان يهتم بالحقوق والحريات وتمكين المرأة، فصار قريبا من الشيخة موزة المفتاح السرى للدوحة، فأصبح بقدرة قادرة ممن يمثلون قطر دوليا!

والمستشار الثائر كان ضمن الفريق الرئاسى الذى «صهين» على الإعلان الدستورى الفضيحة، وكان مشاركا فعالا فى كل ما اتخذ من إجراءات تعسفية ضد المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام الشرعى، و«الصهينة» هنا تعنى الصمت المدبر والمخطط له سلفا، بل كان ضمن «العرابين» الذين أرادوا للشعب أن يبلع ما ابتلعه سيادته، باعتباره مستشار الريس مرسى الخصوصى .

وكان الرجل فاعلا أيضا فى كل ما أحاط بالدستور، وقبله كان ضمن شهود الواقعة غير الشرعية لإرهاب المحكمة الدستورية.. لم يتحرك المستشار الثائر، ولم يحرك ساكنا، وظل متأرجحا بين باطل الهجوم على المحكمة الدستورية ودستور الفضيحة، ويقال -ولا نصدق- إنه كان مباركا شرسا لكل ما أحيك بليل للقضاة والقضاء.

إذن ماذا حدث؟ وما الذى دفع جادالله لارتكاب معصية الخروج من الجنة؟
يقول الخبثاء -ولسنا معهم- إنه علم من مصادره أنه خارج خارج بإرادة إخوانية بعد أن استنفد أغراضه، وأصبح عبئا، فقرر الفوز قفزا من السفينة، وتصوير الأمر على أنه بطولة.. وكان له ما أراد، عندما تلقفته القوى الليبرالية لشىء ما فى نفس يعقوب.

أعلن استقالة سينمائية لا تضاهيها إلا استقالة الوطنى السودانى "عبدالرحمن سوار الذهب" العربى الوحيد الذى آثر تاريخه على الكرسى، فعاش فى قلوب الناس بينما مات من احتفظوا بالكراسى.

لا أنكر اندهاشى لما أسفرت عنه حركاته السينمائية، رغم أنه لا يستحق تاريخيا إلا أن نردد "مستشار وراح" فقد راح واستراح وقتيا، لأن التاريخ لا تخدعه صور سينمائية مزيفة ابتلع طعمها التيار الليبرالى، وصور الرجل على أنه بطل مغوار، مع أنه لم يكن يوما من الأيام من ذلك النوع النادر الذى يختار توقيت خروجه، ليصبح متداخلا أكثر من كونه خارج الهامش والصورة والعقل والمنطق!!
الجريدة الرسمية