رئيس التحرير
عصام كامل

الأرض للأهلي «ببلاش» وللمصانع «بفلوس»!


مجموعة من المستثمرين الوطنيين حصلوا على 50 فدانًا في العاشر من رمضان عام 2009 لإقامة مصانع تُنتج سلعة استراتيجية لدينا فيها عجز شديد يتجاوز 80%، ومصر تستـوردها بمليارات الدولارات وتستنزف النقد الأجنبي، ورغم الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد وتعطل معـظـم المؤسسات من 2011 إلى 2014 فإنهم كانـوا يسارعون الزمن لإنهاء المشروع وسداد أقساط الأرض وفوائدها..


الحمد لله الأسبوع الماضي وسط احتفالية كبيرة افتتحـوا 5 مصانع من جملة 113 مصنعًا مستهدف إنشاؤها، وتم تخريج دفعة من مركز تدريب العمالة الفنيـة الذي أُنشـأ أيضًا لخدمة المصانع، كما افتتحوا مركزًا للموضة لمسايرة أحداث ما وصل إليه العالم في هذه السلعة.

المهم في غمرة هذه الفرحة العارمة يُفاجأ أصحاب المشروع بخطاب في منتهى الغرابة ولا يحدث إلا في مصر يُخبرهم بإلغاء المشروع وسحب الأرض؛ بسبب تأخرهم في سداد آخر قسطين من ثمنها، رغم أنهم قاموا بسداد جميع الأقساط إلا أن الجهة الإدارية اعتبرتهم من فوائد الدين.

كل هذا طبيعي ولكن المأساة كانت في طريقة تعامل صغار الموظفين للمستثمرين، ونظرة الحقد إليهم واعتبارهم لصوصًا ومافيا أراضٍ، وعدم المبالاة بالظروف التي تعيشها البلاد، ولا بجهود رئيس الجمهورية وتعليماته في التيسير على المستثمرين، فبعض الموظفين لا يشغلون بالهم بمصلحة الدولة ولا بسمعتها العالمية في الاستثمار، فكل ما يشغلهم هو طرد المستثمر لأنه يكسب ويربح، وما يقوله ويفعله الرئيس يُخالفه ويُفشله صغار الموظفين الذين ينظرون فقط لمصلحتهم الشخصية الضيقة، وهؤلاء أخطر على مصر من الإرهابيين الذين تقضي عليهم قواتنا المسلحة حاليًا في سيناء وغيرها.

في الوقت الذي تُطالب فيه الدولة بإلغاء مشروع لإنتاج سلعة استراتيجية وسحب الأرض كان مجلس الوزراء يقرر إهداء النادي الأهلي أرضًا مجانًا لإقامة مدينة رياضية متكاملة تشمل ملعبًا واستادًا بسعة 60 ألف متفرج، ومدينة ترفيهية وثقافية، وأكاديمية رياضية، وميدان رماية، ومسارح، وجناحًا لكبار الزوار وعدة محال للرعاة.

والله العظيم ليس لدى أي اعتراض على منح الأرض مجانًا للأندية، فلا يوجد عندنا أزمة في الأراضي، فأكثر من 90% من مساحة مصر صحراء جرداء، كما أن إنشاء نادٍ في الصحراء سوف يسهم في تنمية وعمران المنطقة المحيطة به..

أنا فقط أتساءل مَنْ الأولى بمجانية الأرض والدعم والمساعدة، هل المصانع التي تُنتج لنا السلع الاستراتيجية وتُسهم في حل مشكلات البطالة واستنزاف العملة وغلاء الأسعار، أم النادي الذي رسوم عضويته 400 ألف جنيه وينفق مئات الملايين على اللاعبين والمدربين، بل يستنزف العملة الأجنبية للتعاقد مع لاعبين ومدربين أجانب؟!

الأندية الرياضية في مصر عبء على الدولة.. تحصل على أراض مجانًا، ودعم مادي، وتسهيلات في الضرائب والمرافق، وليس لها أي دور تنموي أو خيري، عكس أندية العالم، فهي أندية خاصة وتسهم في الدخل القومي، وتسدد الضرائب، وترعى مؤسسات خيرية..

الأندية المصرية خاصة الكبيرة منها لم تفكر حتى في إنشاء مصنع للأدوات الرياضية لإنتاج احتياجتها بدلا من استيرادها من تركيا، وما يصاحب ذلك أحيانًا من عمولات، أو تفكر في رعاية عمل خيري أو تنموي، بل إن دورها في المجتمع أصبح سلبيًا في زيادة العنف والتعصب والتدني الأخلاقي، كما أن إنفاق الملايين على اللاعبين جعل حلم حياة المواطن أن يُصبح نجله لاعبًا وليس عالمًا..

صحيح الدولة حاليًا تمنح الأراضي الصناعية مجانا في بعض المناطق الفقيرة، ولكن هذا يجب تعميمه على كل الجمهورية بتخصيص الأرض مجانًا ولو بحق الانتفاع للصناع والمستثمرين الجادين، فلن يهربوا بها خارج البلاد، ويجب حملهم على الرءوس والأعناق وإبعادهم عن التعامل مع صغار الموظفين والفاسدين بالجهاز الإداري، هذا إذا كانت الدولة حقًا تريد استثمارًا وصناعة وإنتاجًا..

أنا هنا سوف أخاطب الرئيس السيسي شخصيًا فلا أمل فيمن سواه هل يرضيه إلغاء مشروع قيمته الاقتصادية 10 مليارات جنيه بحجة عدم سداد 7 ملايين جنيه وبسبب خطأ إداري؟!

وهل يرضي الرئيس إجهاض مشروع يوفر 5000 فرصة عمل، وسلع استراتيجية لدينا فيها عجز شديد، وأن يتعرض أصحابه للمضايقات؟

هل يرضي الرئيس أن كل جهوده لتحقيق نهضة اقتصادية يُفشلها صغار الموظفين؟ القضية كلها موجودة لدى لو أرادت أجهزة الدولة التحرك وحل المشكلة، لأن أصحابها يرفضون تناول تفاصيلها في الإعلام خوفًا من زيادة تعنت المسئولين معهم، وبالتالي تدمير المشروع نهائيًا.. أخيرًا يجب على الدولة التعامل مع الأرض على أنها وسيلة للتنمية وليست سلعة للتجارة، وهذا موضوع يحتاج تفاصيل أكثر في مقال آخر.
Egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية