رئيس التحرير
عصام كامل

في مركز الرمانة بسيناء.. بيوت الأهالي مفتوحة للعالقين بالعريش

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في الوقت الذي تتوالى فيه النتائج المتعاقبة لما تقوم به القوات المسلحة والشرطة، من مداهمات لأوكار للجماعات الإرهابية في منطقة شمال سيناء، ضمن "العملية الشمالية سيناء 2018"، جلس "محمود الأخرسي" الخمسيني، صاحب الدكتوراه الفخرية في مجال الصحافة الإلكترونية، وأحد أبناء مركز "الرمانة" التابع لمنطقة "بئر العبد" بشمال سيناء، يتابع ما يحدث، وينتقل من تلك المحطة التليفزيونية لأخرى.


فإذا به يمسك بهاتفه الذكي، يتصفح مواقع الإنترنت لمتابعة بقية التفاصيل، "إحنا في قلب الأحداث، ولازم نكون الأكثر دراية بما يحدث"، يسارع نحو حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يكتب منشورا يحمل عبارات: "إلى أهالينا المسافرين سواء للعريش أو القنطرة، وتعثر عليهم المرور عبر الطريق الدولي، يمكنكم المرور بمنقطة الرمانة، بيتي أنا وأهلي في استقبالكم على الرحب، مهما كان عددكم هنشيلكم فوق رأسنا"، منهيا عباراته بأرقام تليفون للاستدلال عليه بسهولة، كانت هذه العبارات بمثابة البوابة التي عبرت منها المنطقة الهادئة ذات الـ27 قرية، لتصبح "الملاذ الآمن" لأبناء العريش والقادمين إليها.

قريتنا تقع في منطقة قريبة من قناة السويس، والطريق الدولي بالعريش "القنطرة" يخترق البلدة، ويقسمها إلى جزء غربي وآخر شرقي، بما يعرف بالقنطرة شرق والقنطرة غرب، في منطقة "رمانة" ببئر العبد، وتبعد عن قرية الروضة بنحو 80 كيلومترا، ومعدية القنطرة قافلة منذ انطلاق العمليات، وإذا انقطعت السبل بالقادمين من المحافظات المجاورة نحو العريش أو القادمين من العريش إلى محافظة أخرى، ده أمر يسيء لينا نحن أبناء قبيلة الأخرسي في قرية 6 أكتوبر، وكافة أبناء القرى الأخرى، لأنهم إخوة لنا ولا يجوز أن يبقوا في الشوارع والعربات، لأن الكمائن منتشرة في المناطق دي"، بهذه العبارات تحدث محمود الأخرسي، الذي يعمل كرئيس تحرير لإحدى الصحف الإلكترونية، ويعد أحد كبار قبيلة الأخرسي أكبر عائلات قرية "6 أكتوبر" بمركز رمانة، والتي تمثل 90% من سكان المركز، عن المبادرة  التي أطلقها من خلال حسابه الشخصي بـ"فيس بوك" لاستضافة العالقين على الطريق الدولي بالعريش، والتي نالت استحسان المسئولين: "أحد كبار المسئولين تواصل معي، وشكرني على الفكرة وحفزني على الاستمرار أنا وأبناء القرى"، على حد قول الأخرسي.

"ابن عمي بيته يبعد عن بيتي بنحو 500 متر، جاء لي من ساعة وصمم أن يأخذ أسرة  مكونة من ثلاثة أفراد، في طريقها لمحافظة الدقهلية، عرفوا إن القنطرة مقفولة، وناس دلوهم عليّ، وبالفعل باتوا عندي من امبارح، وقالي إنت ليلة وأنا ليلة، وأكلهم وشربهم ونومتهم عندنا، مبندفعهمش مليم أحمر، وفضينا ليهم حجرة كاملة ليأخذوا راحتهم في النوم"، وليكمل محمود وابن عمه مسيرة "الشهامة المصرية" التي تنقب عن كل شدة أو أزمة لتخرج معلنة عن نفسها، أراد أن يذيب الجليد بينه وبين ضيوفه: "إحنا  تغاضينا عن عاداتنا هنا في القرية وخلينا بناتنا وزوجاتنا يقعدوا معاهم وسطنا من غير مشكلات علشان يحسوا إننا أبناء عمومة، وإنهم أصحاب البيت وإحنا ضيوفهم".

في أقل من 24 ساعة، امتلأت مداخل ومخارج الطرق العمومية بالرمانة، بشباب قرية 6 أكتوبر التي ينتمي الأخرسي لها، فضلا عن شباب القرى الـ27 التابعة للمحافظة: "الشباب واقفين عند مداخل المركز ليل ونهار، أي ميكروباص أو ملاكي بيعدي بيوقفوه ويشوفوهم لو عايزين يدخلوا العريش ومش هيعرفوا بسبب الكمائن، أو يخرجوا للمحافظات المجاورة والمعدية مغلقة، بيحضروهم والبيوت بتقسمهم حسب ما كل بيت يستوعب من عدد الأسر، خاصة إن أغلب الناس بتتفاجئ بإغلاق معدية القنطرة"، بين ليلة وضحاها أصبحت قرى "الرمانة" مرتكز العشرات ممن تقطعت بهم سبل الخروج من العريش أو الدخول إليها، البيوت جميعها أعلنت حالة الاستنفار، "إحنا صاحيين الـ24 ساعة، وأنا قريب من باب البيت اللي عايز ييجى يتفضل، ومش هنسأله هيقعد كام يوم إن شالله يقعد شهر بحاله، والرزق كتير"، يشعر محمود بأن كل ضيف يطرق منزله، يأتي محملا بقوته وشرابه!، "الناس كأنها بتيجي برزقها".

حينما أطلق محمود الأخرسي المبادرة، بمساعدة شباب قرية 6 أكتوبر كان على يقين أن منزل الفقير قبل الغني سيفتح على مصراعيه، لاستقبال ما شاءت جدرانه وحجراته أن تستوعب من زوار، يملأ السرور نبرات محمود حين يقول: "مفيش بيت في الرمانة إلا واستجاب للمبادرة، وقالوا إحنا مش هنسأل اللي جاي هو مين أو ديانته إيه، يكفي أنه مصري، ونحن تواصلنا مع أصدقائنا في العريش علشان يبعتوا أي حد محتاج لخدمتنا"، يشعر محمود، وكل فرد من أفراد مركز الرمانة بشمال سيناء، أنهم يحملون فوق أعناقهم واجبا وطنيا، لا ينتظرون مقابلا ماديا أو معنويا له، فموقع القرية بالنسبة لما يحيط بها، جعلها تصبح البوصلة التي تهدي السائر خلالها إلى سبيله محفوفا بالرعاية والاهتمام وحسن الضيافة.
الجريدة الرسمية