رئيس التحرير
عصام كامل

تحقيق استقصائي يكشف: المياه القلوية «أكذوبة» ولا تحمي من السرطان.. سيدة تكتشف خللا في نسبة الأملاح الموجودة في الدم بعد تناولها لمدة 7 أشهر.. والدراسات العلمية تنفي مساهمتها في الحماية من ال

فيتو

  •  شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي وراء اتجاه المصريين لشراء «المياه الجديدة»
  •  المدير التنفيذي للهيئة القومية لسلامة الغذاء: لم نتلق حتى الآن أي شكاوى بخصوص المنتج
  •  الدكتور حسين منصور: ملف تسجيل منتجات الأغذية الخاصة يحتاج إلى مراجعة دقيقة
  •  الدكتورة منال أبو فرحة: المياه القلوية بدعة جديدة دخلت السوق المصرية


“سها علي” سيدة في العقد الثالث من عمرها.. تاريخها الصحي يؤكد أنها لا تعاني أي أمراض مزمنة، إلى جانب ذلك تواظب على ممارسة الرياضة، تتبع نمطًا صحيًا في حياتها بشكل عام، وفي إطار بحثها عن حياة أكثر صحة، فور أن سمعت خبر طرح “المياه القلوية” بالأسواق، قررت ضمها لمنظومتها الصحية.

قرابة 7 أشهر.. ظلت خلالها “سها” تواظب على شرب “المياه القلوية”، ظنًا منها أنها تسير في الاتجاه الصحيح، غير أن كشفًا طبيًا دوريًا أجرته، فجَّر في وجهها مفاجأة، كانت المياه القلوية بطلها والعوامل الأولى في حدوثها، حيث كشف الفحص الطبي معاناتها خلل في نسبة الأملاح الموجودة بالدم والجسم، وعندما استفسر منها طبيبها حول إن كانت تتناول أي أدوية من الممكن أن تكون السبب في حدوث الخلل، نفت الأمر، وعندما كشفت أمامه حكاية المياه التي تواظب على شربها منذ عدة أشهر، طالبها الطبيب بضرورة التوقف عن شرب هذه المياه، ونصحها بشرب المياه العادية للحفاظ على صحتها.

من هنا بدأت «الكذبة»
منذ نزول المياه القلوية إلى السوق المصرية، خلال الأشهر الماضية، انتشرت شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عن قدرتها على معالجة السموم وتحقيق انتعاش للجسم، وتداول نشطاء الموقع الأشهر معلومات عدة عن المياه، أبرزها ما أشار إلى أن جسم الإنسان ينتج أحماضًا، ويمكن أن تعالج هذه الأحماض فقط مع بعض الماء القلوي.

ومن ضمن ما تناقله نشطاء “فيس بوك” أن المياه القلوية تحقق حياة صحية خالية من التوتر لأن معظم الناس تستهلك الأطعمة الحامضية مثل لحم البقر والديك الرومي والدجاج، أو الحليب والجبن، وتساعد هذه النوعية من المياه على تعزيز عملية التمثيل الغذائي، وهي أفضل من الماء العادي وتساعد في امتصاص الأحماض بسرعة، وتساعد في بناء العضلات الصحية، وتحمي الجسم من الأمراض الخطيرة مثل الفشل الكلوي ومرض الرئة الانسدادي، وتقلل من علامات الشيخوخة التي تظهر بسبب سوء الأحوال الجوية والظروف المناخية القاسية، فهي تعمل كمضاد للسموم.

وهناك من أكد أن هذه النوعية من المياه تعمل على تقوية الطاقة، وتمنع الخمول، وتعيد شحن الجسم وتضمن مستويات الطاقة الخاصة، وضبط ضغط الدم المرتفع وعلاج الإمساك وعلاج أمراض مختلفة مثل القيء وآلام البطن وصعوبة في حركات الأمعاء والإحساس بحركات أمعاء غير مكتملة أيضًا لمنع مرض السكري، والإسهال أيضا وتعزيز الدورة الدموية، وتقلل من فرص انسداد الشرايين والمستويات العالية من الكوليسترول.

استطلاع رأي

محررة “فيتو”.. التقطت تلك الشائعات، وبدأت رحلة البحث عن “المياه القلوية”، وبعد محاولات عدة تمكنت من الحصول على الماء القلوي من أربعة مراكز تجارية ضخمة مختلفة بمناطق “6 أكتوبر والشيخ زايد والتجمع الخامس والمعادي”، كما حصلت معدة التحقيق على زجاجة خاصة تخصصها الشركة للأطفال، وأجرت استطلاع رأي شمل مائة شخص مستهلك بهذه المراكز، وأكدت نتيجة استطلاع الرأي أن 76% من عينة الاستطلاع من زبائن هذه المراكز التجارية لم يكونوا قد سمعوا عن المنتج أو حتى قاموا بتجربته، وأن 24% فقط من المشاركين بالاستطلاع قد جربوا المنتج لمرات قليلة باعتباره زجاجة مياه عادية، وأن نحو 2% كانوا على علم بالمنتج وآثاره الجانبية.

زيارة ميدانية
خطوات “معدة التحقيق” لم تتوقف عند هذا الحد، لكنها سرعان ما أجرت زيارة ميدانية لفرع الشركة بالتحرير للتعرف على فوائد المنتج، وأخبرها موظفو التسويق بالشركة، أن المنتج مناسب لكل الأعمار حتى الأطفال، وأنه منتج مضاد للأكسدة ويزيل السموم من الجسم ويمكن تناوله بأي كمية.

كما زارت معدة التحقيق مصنع الشركة بالصف بالجيزة، الذي يقع في إحدى قرى المركز التي لا يوجد بها صرف صحي، وحسب شهادات أهلها لا تتوافر بها مياه شرب نظيفة!

في معمل العلوم
وطبقًا لما أعلنته الشركة فإن درجة "الأس الهيدروجيني" للمياه القلوية التي يتم تداولها في السوق يتراوح بين 7.8 و8.2، وقد أجرت معدة التحقيق تحليلا للأس الهيدروجيني بمعامل التحاليل الدقيقة بكلية علوم جامعة القاهرة لعينتين عشوائيتين من المياه القلوية، وكانت نتيجة العينة الأولى هي 7.43، بينما كانت نتيجة العينة الثانية 7.48، كما أجرت تحليلا للأملاح الكلية الذائبة “TDS” قد بلغت 71 mg/L بينما ما أعلنت عنه الشركة ودونته على العبوة هو أن نسبة الأملاح هي 108 mg/L.

درجة الحموضة
وفي سياق بحثها عن حقيقة “المياه القلوية”، التقت معدة التحقيق الدكتور طه الدبس، أستاذ الكيمياء، كلية العلوم، جامعة القاهرة، الذي بدأ حديثه قائلًا: العناصر والأوساط الكيميائية الموجودة بالعالم، إما قلوية مثل المنظفات أو حامضية أو متعادلة مثل المياه المقطرة، ودرجة القلوية والحامضية يتم تحديدها بالأس الهيدروجيني “ph”، إذا كان الأس الهيدروجيني يساوي 7 فمعناه أن نسبة أيون الهيدروجين الحمضي تساوي نسبة أيون الهيدروكسيد القلوي، بالتالي فالعنصر متعادل مثل المياه المقطرة.

وأضاف: تركيز أيون الهيدروجين مسئول عن الحموضة وتركيز هيدروكسيد مسئول عن القلوية، والمواد القلوية يزيد فيها الأس الهيدروجيني على 7 بسبب زيادة أيون الهيدروكسيد القلوي عن الهيدروجين الحمضي، والأس الهيدروجيني يتم قياسه بورقة الأس الهيدورجيني أو جهاز ديجيتال.

وأوضح أن “أجهزة الجسم المختلفة لها درجات مختلفة من القلوية والحامضية، وتكون درجتها متناسبة مع وظيفتها البيولوجية التي تقوم بها، فعلى سبيل المثال المعدة شديدة الحمضية تكون درجة الأس الهيدروجيني بها أقل من 2، ودرجة الأس الهيدروجيني للدم هي 7.4، لذلك فهو يميل إلى القلوية، والدم يملك درجة من التكيف عالية جدا تمكنه من مقاومة المواد الحامضية والقلوية، أي إنه في حالة حدوث خلل وزيادة في نسبة القلوية أو الحمضية فإن الدم يتكيف مع ذلك ويقاوم هذا التغيير دون أي مساعدة خارجية.

زيادة القلوية
أستاذ الكيمياء، في سياق حديثه، شدد على أن زيادة الأس الهيدورجيني في الدم قد يؤدي إلى وفاة الشخص بسبب زيادة القلوية فيه، وبالمثل زيادة الحمضية في الدم تؤدي إلى الوفاة أيضا، موضحًا أن التغيير الطفيف في قلوية أو حامضية الدم قد يؤدي إلى الحساسية، وهو ما يشعر به الشخص عقب تناوله لبعض الفواكه مثل الموز والمانجو.

وأشار إلى أن المعدة لا تتأثر بالقلوية المعتدلة، لأنها شديدة الحموضة لكن ربما يتأثر الدم بكثرة تناول القلويات بكميات كبيرة، كما تؤثر العناصر القلوية في بقية أعضاء الجسم، والقلويات المركزة تؤثر في المعدة والجلد، لذلك المنظفات عالية القلوية تؤثر في الجلد، والمياه القلوية لا تتفاعل مع السموم منفردة، إلا أنه يمكنها معادلة تأثير العناصر الثقيلة وترسيب هذه العناصر بالتالي يسهل التخلص منها، ويمكن للأطفال استخدامها شرط أن تكون منخفضة القلوية وبعد استشارة الطبيب ومراجعته.

توازن الجسم
في السياق.. قال محمد الخشاب، أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة: المعدة شديدة الحامضية والأمعاء قلوية، الجسم متوازن بذاته، والله سبحانه وتعالى خلق أجهزة الجسم بدرجة أس هيدروجيني معينة مناسبة لوظيفتها.

وأوضح أن “الجسم في حالة المرض يفقد توازنه الحمضي والقلوي، على سبيل المثال إذا مرض شخص بالحموضة يلجأ إلى الطبيب للحصول على أدوية قلوية لعلاج ذلك ويكون بإشراف الطبيب”.


أما الدكتورة لبنى الحديدي، استشاري التغذية العلاجية وتغذية الأطفال بالمعهد القومي للتغذية: العناصر التي يكون بها الأس الهيدروجيني أقل من 7 تكون حامضية، والعناصر التي يكون بها الأس الهيدروجيني أكثر 7 إلى 14 درجة تكون قلوية.

وأضافت: المعدة حامضية بها حمض خاص مسئول عن الهضم هو حمض الهيدروكلوريك، والاستخدام المناسب للمياه القلوية هو علاج الحموضة وارتجاع المريء، ويمكن استخدم الليمون كبديل طبيعي عن الماء القلوي لأنه مضاد للأكسدة بمعنى أن له قدرة على تقليل نشاط الأكسجين في تكسير خلايا الجسم.

في حين أكد الدكتور جمال عصمت، أستاذ أمراض الكبد بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، مدير مستشفى ثابت ثابت بالجيزة، أنه لم يسمع من قبل عن المياه القلوية، موضحًا أنه لا يستخدمها في علاج أمراض وسموم الكبد.

من جانبها قالت الدكتورة منال أبو فرحة، أستاذ الأمراض الباطنية بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة: المياه القلوية بدعة جديدة دخلت السوق المصرية، والتحكم في الحموضة والقلوية مسئولية الطبيب فقط.


بحوث المياه.. خارج نطاق الخدمة
رحلة البحث عن “حقيقة المياه القلوية” لم تتوقف عند هذا الحد، فقد توجهت معدة التحقيق إلى قسم بحوث المياه بالمركز القومي للبحوث، في محاولة منها للتعرف والحصول على أحدث الدراسات العلمية التي أجراها القسم عن المنتج وآثاره الجانبية على صحة الأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة، وكانت المفاجأة بتأكيد الدكتورة جميلة حسين، أستاذ الميكروبيولوجي بوحدة بحوث المياه، أن الوحدة لم تجر أي أبحاث علمية على هذا المنتج، مشيرة إلى أن الوحدة تعمل على تنقية المياه الملوثة وبحث سبل الاستفادة من مياه النيل.

ومن المركز القومي للبحوث، انتقلت “معدة التحقيق” إلى معهد التغذية، للحصول على رد رسمي من إدارة المعهد حول ترخيص المنتج، وتواصلت معدة التحقيق مع الدكتورة زينب البكري، مديرة المعهد السابقة، التي رفضت التعليق وتحفظت في إبداء أي رد، في حين كشف مصدر مسئول بالمعهد –تحفظ على ذكر اسمه- أن المنتج حصل على ترخيص من المعهد في شهر يوليو الماضي، وذلك بالاعتماد على مواصفات قياسية رقم 1589/2007 من الهيئة القومية المصرية العامة للمواصفات والجودة.

وأضاف: الشركة قدمت وصفًا للمياه ومكانها الجيولوجي وشهادات تحليل لمصدر المياه وشهادة تحليل لعناصر المياه، كما أن الشركة سلمت ملخصا علميا للمستحضر.

وفي السياق ذاته تقدمت معدة التحقيق بطلب لمقابلة الدكتورة عفاف عبد الفتاح توفيق، مدير المعهد القومي للتغذية؛ للحصول على إجابات عن أسباب عدم وضع تحذيرات على المنتج وكيفية إصدار ترخيص لمنتج لم يخضع للدراسة العلمية الدقيقة وذلك يوم 2 يناير الماضي، ولم تتلقَ أي ردود رسمية حتى كتابة هذه السطور.

وبسؤال سعاد الديب، رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك، حول “المياه القلوية”، أكدت أنها لم تسمع عن المنتج، وأن الجهاز لم يتلقَ أي شكاوى تجاه الشركة، فقدمت معدة التحقيق شكوى رسمية إلى أحمد سمير المدير التنفيذي لجهاز حماية المستهلك لفحص المنتج والتأكد من صلاحيته.

من جانبه قال جمال عبد الحميد، مدير مكتب الشكاوى بجهاز حماية المستهلك: الشكوى ما زالت تحت الدراسة، وقد خاطبنا الشركة للتأكد من ترخيص المنتج واستكمال بقية البيانات حتى الآن الشكوى تحت الدراسة لم يصدر لها أي رقم محضر.

«سلامة الغذاء» بريئة من متابعة المنتج
من جهتها قالت الدكتورة إيمان حلمي، المدير التنفيذي للهيئة القومية لسلامة الغذاء: الهيئة لم تتلقَ حتى الآن أي شكاوى بخصوص المنتج، مع الأخذ في الاعتبار أن الهيئة لا تزال تحت الإنشاء، والمسئولية تقع حتى الآن على عاتق وزارة الصحة.

أما الدكتور حسين منصور، رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، فقد عقب على الأمر بقوله: ملف تسجيل منتجات الأغذية الخاصة يحتاج إلى مراجعة دقيقة، وهذا الملف ستنقل تبعيته إلى الهيئة قريبا، مع الأخذ في الاعتبار أنه كان من المفترض وضع تحذيرات خاصة ودواعي الاستخدام على عبوة المنتج وأن وزارة الصحة هي المسئولة عن المنتج.


وفي ذات السياق استطاعت معدة التحقيق الحصول على ثلاث دراسات علمية أجريت في الجامعات الأجنبية، التي ناقشت فوائد المياه القلوية وأضرارها، وإحدى هذه الدراسات نشرت في منتصف الأسبوع الثاني من أكتوبر 2012، على المكتبة الأمريكية للطب، وتناولت الدلائل العلمية التي تثبت فوائد اتباع نمط غذائي مليء بالعناصر القلوية.

وحللت الدراسة الفوائد التي من المفترض أن تحققها تناول الفاكهة القلوية والأطعمة والمياه القلوية وهي إنقاص الوزن، صحة العظام، العضلات، ضبط هرمون النمو، وعلاج آلام الظهر ودعم العلاج الكيميائي لمرضى السرطان.

كما توصلت إلى أن جسم الإنسان لديه قدرة على الحفاظ على التوازن والمحافظة على درجة حموضة ثابتة في الدم، كما أن العديد من الأغشية في الجهاز التنفسي والكلى تعمل بنسبة حموضة معينة تمكنها من أداء وظيفتها في هضم الطعام ومساعدة الجسم.

وشككت الدراسة في أن اتباع نظام غذائي قلوي قد يمنع عددا من الأمراض، ويؤدي إلى فوائد صحية كبيرة، وأثبتت أن الوجبات الغذائية القلوية، من الممكن أن تؤدي إلى زيادة درجة حموضة البول القلوي، إلى جانب انخفاض الكالسيوم في البول، ولا توجد أدلة جوهرية على أن المواد القلوية تحسن صحة العظام أو تحمي من هشاشة العظام.

المياه القلوية وعلاج السرطان
كما تناولت دراسة نشرت في المكتبة الأمريكية للطب “US National Library of Medicine “بتاريخ 13 يونيو 2016 علاقة استخدام مواد حمضية أو قلوية لعلاج السرطان، وتوصلت إلى أنه رغم الدعاية التي يقوم بها مندوبو المبيعات ووسائل الإعلام، فإنه لا توجد أدلة على وجود علاقة بين تأثير نمط الغذاء القلوي أو الحمضي على تجنب مخاطر السرطان، كما أنه لا توجد دراسة تؤكد دور المياه القلوية في علاج السرطان.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية