جنسية المسلم ليست عقيدته
في كتابه "الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة"، يطرح "الريسوني" رؤيته للانتماء القومي والوطني، فيقول: "الانتماء القومي والوطني للأفراد والشعوب، يستمد مشروعيته وأهميته من عناصر التنوع والتعدد.. وقبل ذلك، فإن الأنبياء يبعثون -أول ما يبعثون- على أساس قومي ووطني، وقد تنحصر دعوتهم في هذا الصعيد، وقد تمتد خارجه، لكن بعده..
وهذا واضح وصريح في حديث القرآن الكريم عن كل الأنبياء والمرسلين.. وخاتم الرسل (صلى الله عليه وسلم) المبعوث رحمة للعالمين إلى يوم القيامة، قد بعث أولا في قومه وعشيرته، كما نبه القرآن في أكثر من آية مثل: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" (الجمعة: ٢)، وقوله: "وأنذر عشيرتك الأقربين" (الشعراء: ٢١٤)، وقوله: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها" (الأنعام: ٩٢).
وللفقيه الشافعي الكبير، المعروف بالقفال الكبير، رأي يقول فيه: "فإذا بعث الرسل إلى أمم مختلفي البلاد والألسنة والأخلاق، كان المقصود الأصل هم قوم ذلك الرسول وأهل بلده، فإذا ثبتت الدعوة فيهم صح الأصل، ثم من سواهم تبع وفرع".. والحقيقة أن الطبيعة القومية ذات منطق فطري يقضي أن يحب المرء قومه وبلده أولا، ويقضي أيضًا أن يكون إحسان المحسن إلى قرابته وعشيرته أولا.
والقاعدة في الإسلام: (الأقربون أولى بالمعروف).. فإن يحسن الناس في أوطانهم قبل غيرها، ولعشيرتهم قبل غيرها، وأن تتوطد علاقاتهم ومودتهم في بلدانهم وبلدان مستقرهم، قبل غيرها وأكثر من غيرها، فهذا كله منطقي وطبيعي، وفطري وشرعي.. ومن ثم، يجب ألا تكون هناك معاداة بين القومية والدين، فالقومية والوطنية فطرة ومحبة وتكافل، في نطاق القوم والوطن.. كذلك، ليس هناك شيء متعارض ولا متزاحم مع العالمية الإسلامية والإنسانية، بل هو جزء منها وركن من أركانها.. فالنَزعة العالمية والوحدة الإسلامية، لا يمكن أن تتقدم خطوة واحدة، ما لم تمر عبر القومية والوطنية المحلية.
فالوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية، لن تكون سوى خيالات وتمنيات، إذا لم تكن هناك وحدة وطنية وأخوة قومية.. يقول "الريسوني": "ومن هنا ندرك الخلل الفظيع الذي يقع فيه بعض الإسلاميين، حين يستخفون بانتماءاتهم الوطنية والقومية، وقد يعادونها ويشمئزون منها.. ولعل مما يعمق هذا الخلل ويزينه في النفوس، ذلك الشعار الذي أطلقه بعض الدعاة في هذا العصر (يقصد "البنا" و"قطب")، وهو: "جنسية المسلم عقيدته"، وهو شعار ملتبس خادع للمثاليين والسطحيين.. فالجنسية اليوم هي انتماء مدني اجتماعي، له حقوق وعليه واجبات، وليس انتماءً مذهبيًا عقديًا، حتى يقرن بالعقيدة ويقارن بها.