خُد مصمص دي!
كثيرًا ما سألت نفسي، ماذا لو كانت السيدة (سوزان) زوجة عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين) لا تُحب قراءة ما يرغب العميد في قراءته؟ وقتها ـ بوضوح ـ مكانش هايبقى (طه حسين) هو عميد الأدب العربي؛ لأنه كان يعتمد في قراءاته على شريكة حياته، فإما كانت هتقرا له ـ لو اختلفا أو خرجت عن إطار التزامها التاريخي ـ ميكي جيب أو الكواكب، أو كان هيضطر يجيب حَد تاني يقرأ له بينما تشغل نفسها مثل أي زوجة مصرية أنها تعكنن عليه عيشته!
وقتها كانت ستشتعل نار غيرتها من سكرتيرته اللي بتقرا له الكتب، أو تتشاكل مع المُساعد بتاعه لأنه قاعد معاه طول الوقت أكتر منها، ومن حُسن الحظ أن السيدة (سوزان) لم تكُن مصرية، وإلا ما كان (طه حسين) الذي نعرفه هو نفسه (طه حسين) تلك القامة العظيمة، وهذا يؤكد أن وراء كُل عظيم امرأة.. غير مصرية!
وبعيدًا عن المزاح طبعًا، فالمرأة المصرية هي ست العالم، فإن كُل تجربة عبقرية أو نهضة حضارية تحمل بداخلها بذرة فنائها، والرَك دايمًا على إبعاد هذه البذرة أو ضمان تحييدها بعيدًا عن عملياتها التخريبية، فلو لم تستطع الاستفادة منها بعد تقويمها، فيكفي أن تحاصرها لتَحرمها من هدم أية محاولات من جانبك للإصلاح!
وتعالى نتفق أن أي إصلاح أو بناء يلزمه جهد ووقت وإنفاق مادي وجسدي وعقلي يفوق ملايين المرَّات محاولات الهدم أو التخريب، وأرجوك تاخُد هذا المثال البسيط: تخيَّل أنك قعدت تحوِّش وتستلف لتشتري سيارة جديدة، واستدنت من اللي يسوى واللي ميسواش، وكتبت على نفسك شيكات، واشتغلت ليل ونهار كما العبيد في قصور المماليك، وفي الآخر اشتريت السيارة بعرق جبينك، وفي أول مشوار ليك قام عيل ابن حرام بخربشة الصاج اللامع الجديد بمفتاح أو حديدة، أو سواق توكتوك أحمق خبطها وجابلَك الكبوت نُصين!
وأطرح سؤالًا: هل المُعارضة السياسية مُربحة ماديًا؟ أنا لم أبتعد عن المواضيع لعلمك، آه طبعًا المُعارضة السياسية مُربحة ماديًا جدًا، ومُمكن يكون ربحها أكثر من المُخدرات والسلاح، تخيَّل صحفي فاشل عديم النبوغ اشتغل في السياسة وعمل فيها زعيم، وطنطن بكلمتين عن الفقر والفقراء والظلم والقهر والكبت، وغناهم على الربابة، بالتأكيد سيُفتَح له المجال ليمارس مهامه الصحفية التي فشل فيها أصلًا، وذلك مش من أجل سواد عينيه ولا حمارهما ـ بفتح الحاء وإن كانت مش فارقة ـ إنما لاستغلال شهرته وظهوره في الفضائيات لاعنًا أو ملعونًا لا فارق، واستغلال البطل والتربُح من ورائه لا يختلف كثيرًا في الربح عن استغلال الأراجوز الذي كثيرًا ما يكون مطلوبًا بشكل أكبر!
ويسري هذا الأمر على مُذيعين نصف كُم، وعلى أطباء رُبع كُم، وعلى مُحامين "كَت أو شابونيز" مش فالحين غير في المظاهرات وشغل الأصابع، لكنهم بياخدوا قضايا بالملايين لا لأنهم مهرة أو متفوقين أو مذاكرين قانون، لكن لأنهم بيعبثوا سياسيًا لتخريب البلد لا لخدمته، أما الأطباء فهناك مرشح رئاسي سابق يقال إنه طبيب ولا نعرف له تخصصًا ولا نبوغًا، ولولا اشتغاله كإرهابي ثم كسياسي بعدما انقلبت الآيات لما تكسَّب مليمًا واحدًا من مهنة الطب؛ فتمرجي عيادته قد يكون فاهمًا في الطب أكثر منه!
وليست كُل المُعارضة تخريبًا بالتأكيد، لكن المؤكد أكثر أنه ليست كُل المُعارضة شرفًا، وأكم من حضارات ودول انهارت بسبب خونة الداخل لا بسبب قوة الجيوش الغازية، عرفت نُقطة بذرة الفناء جاية منين؟ وهل أدركت لماذا كان (طه حسين) محظوظًا؟ لأن شريكته كانت بتبني معاه حتى وإن قضت عُمرها في الظل والتعب، لم تتشاجر معه وتقول له المفروض تقرأ كذا، أو كفاية، أو أنا زهقت من التاريخ الإسلامي و(عُمر) و(عثمان) و(علي) والفتنة الكُبرى وعاوزة أقرأ سوبر مان وسبيدر مان!
إن الحضارات لا تُبنى بالتنظير والتهليل والمُعارضة الفاشلة عمَّال على بطَّال، ولعلمَك أصلًا المُعارضة تابع لا مُتقدِّم، بمعنى أن المُعارضة بتيجي بعد فرض الديمقراطية اللي هي أصلًا بتكون نتيجة لرخاء وعلم وبناء وتثقيف للناس، كما جرى في أوروبا وأمريكا بعد الصراعات والديكتاتورية وإطفاء أتون الحروب الأهلية وثورات الفوضى، وكما سيجري في مصر بعد وضع حَد لحرب أهلية كانت مُنتظرة قبيل ثورة يونيو والحمد لله نسفتها يونيو وأبطالها من الشعب والجيش!
ثم بعد الديمقراطية يكون فيه مُعارضة واعية، غرضها السعي لتصحيح أوضاع قائمة بعد انتقادها بعلم ومنطق وأدب من جانب ناس متعلمة سياسة وواعية ووطنية، وغرض المُعارضة في كُل الدُنيا أن تسعى للوصول للحُكم، وتجهز نفسها لذلك، وتحاول إقناع الناس بأعمال حقيقية لا جعجعة، وتخوض الانتخابات، وتخسر، وتتعلم من تجاربها، ولماذا خسرت، وترجع تحاول تاني، وتستعد لتحقيق المكسب، وتستقطب ناس مُميزين مش مُجرمين وصيَّع وبتوع تلات ورقات ومموَلين وكلمنجية وشمامين كُله!
مش تقاطع وتدعو للمُقاطعة على طريقة كُرسي في الكلوب أو فيها لأخفيها لأنها فاشلة، واللي فيها فاشلين، عرفت ليه الهدم أسهل مليون مرَّة من البناء؟ وأدركت الفارق بين اللي اشترى سيارة جديدة وبيسعى لسداد أقساطها بتعب وكفاح، وبين ابن الحرام اللي خربشهاله بالحديدة أو التوكتوك وطلع يجري؟!
في بلدنا المُعارضة تحارب الديمقراطية على طريقة حامض يا عنب، وتُحارب الحاكم بطريقة أكثر حمضانًا وهي طريقة (جحا وابنه والحُمار)، على سبيل المثال قرأت أضغاث مقال لـ(النجار) ينتقد الرئيس لأنه قال على نفسه إنه ليس سياسيًا، والمقال من نوعية (جحا وابنه والحمار)، بتقول على نفسك مش سياسي والمفروض أنك سياسي، يا سيدي أقسم بالله لو قال على نفسه إنه سياسي كنت هتطلع إنت أول واحد تقول له لأ إنت عسكري، ويسقط حكم العسكر، وهاتوا الخيام يا أولاد ويالله بينا!
لن أطيل على حضرتك بما ورد في المقال النجاري، فيمكنك العودة له وقراءته لو كانت قوة احتمالك على ما يرام، وستجد أنه مكتوب بذات طريقة المُعارضة خالف تُعرف، ومن الواضح أن (النجار) انصدم في (خالد علي) بعد ما أعلن أنه عمل له توكيل يخوض بيه انتخابات الرئاسة، لكن (خالد) خذله عندما فشل في استكمال باقي الـ25 ألف توكيل المطلوبين فانسحب ومعه كُل مؤيديه في عربية بيجو سبعة راكب!
وبالمُناسبة فـ(النجار) يقول لـ(السيسي) إن الأوطان لا تُدار بالتفويضات، والرجُل لم يطلب تفويضًا جديدًا بعد، والتفويض الحقيقي هو مُشاركة الواعيين والمُحترمين في الانتخابات، بغض النظر عن هتنتخب مين، لكن إثراء التجربة الديمقراطية يكون عن طريق الصناديق، لا المُقاطعة، ومُمكن يكون عن طريق الثورات اللي مش بتتسرق ولا بتتلون زي يناير وما أصابها من سرقة ودماء وذقون طول كده!
ثم يا أيها (النجار).. قد يكون الغرض من طلب التفويض ـ المُحتمَل ـ هو الرَد على حضرتك بشكل عملي، فلو طلب (السيسي) تفويضًا من المصريين عن طريق النزول للشوارع والميادين في تظاهرات سلمية ضخمة، ستوضع حضرتك في خانة اليَك كالعادة وتشرب الدور خشب مش حتى مارس لسبب؛ هو أن سيادتك ومعك مُعارضة الغبرة بتراهنوا على أن شعبية الرجُل في الحضيض بسبب قراراته الإصلاحية القاسية، إذن هو سيطرح نفسه لاختبار شعبية أنتم نفسكم بتتمنوا إنه يفشل فيه لكنكم تخشون منه لأنكم أعلم بشعبيته التي لم تتآكل إلى هذا الحَد خاصةً مع معرفة البسطاء من الناس بما يحيق بنا من أخطار خارجية وبلاوي داخلية!
بالإضافة لما تحقق من أمن واستقرار بعد ثورة يونيو، وأرجوك تتذكَّر القاعدة الشهيرة أن العضو السليم في جسم الإنسان هو العضو الذي لا تشعُر به، بمعنى أنك لو حسيت بعينيك فهي مريضة لأنها بتوجعك، وكذلك ساقك أو لا مؤاخذة لسانك مثلًا، وبالتالي فنحن الآن لا نُعاني الأمرَّين من الأمن والبلطجة واقتحام بيوتنا ومُمتلكاتنا كما كان يحدُث بعد ثورة يناير عندما ركبها الإرهابيون من أصحاب الذقون والمُحللين بتوعهم من أمثال مُعارضة النُص كُم واللا كُم خالص، وكُنا بنشمشم وقتها على سارينة سيارة نجدة في الشارع علشان نحس ببعض الاطمئنان!
والأغرب أن أرامل ثورة يناير الذين لم يخرجوا عن نطاق الميدان حتى اليوم، ولسَّه مزنوقين في الخيام، وميعرفوش أن الزمن مَر بحلوه ومُرُّه، وثورة أخرى قامت لتصحيح ما أفسده ثوار يناير المُحترفين لصوص الثورات، وأطاحت بهم، هؤلاء الأرامل يتميَّزوا بضيق أفق عجيب لدرجة أن (السيسي) يلقي تصريحًا على غرار "أنا مش سياسي" أو "السجاده الحمراء" علشان يمصمصوا في التصريح ليل ونهار على طريقة (الحُمار وجحا وابنه)، وشكلهم لا يختلف عن الراحل (عبد المنعم إبراهيم) وهو بيمصمص رقبة الوزَّة في فيلم (الزوجة الثانية)، فالناس تضحك عليهم أكتر!