في معرض الكتاب.. ساعة في حب الحياة لنزلاء مستشفى الأمراض النفسية
في تمام الثانية من ظهر اليوم، تحركوا كتلة واحدة نحو صالة 2 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تقام فعاليات خيمة الفنون خلال أيام المعرض الـ14، تركوا الماضي والحاضر لساعة، ساعة واحدة قرروا فيها أن يخلعوا جلودهم ويرتدوا جلودًا جديدة، قد لا توضع على أجسادهم من جديد، فمن مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، إلى خيمة الفنون كانت رحلة المرضى الخمسة لاكتشاف عالمهم الجديد.
"العرض اسمه صحصح واحنا أطلقنا عليه الاسم ده علشان نثبت لهم إن كل واحد بالحركة والعمل وعدم الاستكانة يقدر يغير وضعه مهما كان"، يتحدث "أحمد" بطل العرض المسرحي الذي نظمه قطاع التأهيل النفسي بالمستشفى تحت رعاية واهتمام "شيرين دحروج"، مسئولة التأهيل بالمستشفى.
وعلى بعد أمتار قليلة من خشبة المسرح جلس الخمسة، وسط عالم الأسوياء الذي قلما درجوه أو توغلوا في تفاصيله، أطلقوا العنان لحواسهم أن تحلق في محيط الخيمة كيفما تشاء، فوق خشبة المسرح، الممثلون زملاء ورفاق مسكن واحد.
"أمل إحدى أبطال العرض بقالها 15 سنة في المستشفى، سنها خمسين سنة ومريضة بالفصام المزمن، لكن ده ممنعهاش تحفظ دورها وتطلع توجه رسالة لزملائها وزميلاتها" يتحدث عمرو، أحد الحضور المشارك في عرض العام الماضي الذي حمل اسم "وشوش فشوش"، وشارك به عدد من مرضى المستشفى، ويضيف "كنا طول المسرحية بندور على وشوشنا الحقيقية بعد ماتوهنا وسط الناس، والاختلاط بيهم هو اللي خلانا لقيناهم، وهي كانت ليها هدف ورسالة مثل مسرحية هذا العام".
كانت عيون الخمسة المرضى بالفصام المزمن، تترقب وجوه الحاضرين طوال مدة العرض، تستطيع بسهولة أن تميزهم من النظرة الأولى، كأنهم قذفوا في الدنيا فجأة ودون مقدمات.
وقالت شيرين دحروج مسئولة التأهيل بالمستشفى: "أنا كنت بواجه صعوبة وأنا بعلم الخمسة دول اللي شاركوا معانا في فاعليات اليوم على الاسكتشات، ولأن طبيعة مرضهم تجعلهم غير متوازنين في الحركة، فاستغرقنا نحو أربعة أشهر في عمل بروفات المسرحية دي، كنت كل ما ألقنهن جزءا ينسونه ونرجع نعيد من الأول، لكن هما كانوا متعاونين بحكم إني دايمًا بحاول أشركهم في أي عمل فني هدفه التأهيل النفسي".
وتابعت: "كلهم شاركوا في عروض سابقة، خاصة أمل وعبير وسارة، ماعدا أنغام السيدة اللي كانت بتقوم بدور لاعبة الكوتشينة، هي لسه حديثة بالمستشفى مكملتش ثلاثة أشهر، لكنها كانت متعاونة ومستعدة طول فترة البروفات، هما الخمسة مرضي فصام مزمن واتنين منهم مرضى تصلب متعدد، وهو بيختلف عن المرض النفسي لأنه مرض عصبي وليس نفسي بيصيب المناعة".
ويلتقط أحمد الذي قام بدور هادي بمسرحية صحصح خيط الحديث قائلًا: "الدكتور حفظتنا كويس الاسكتشات وكنت أنا ونعسانة ومستريحة الأبطال الرئيسيين بالعمل، وهي تعمدت إنها تختار مرضى من داخل المستشفى يكونوا أبطالا أساسيين وهما أمل وعبير".
شيرين دحروج، 36 سنة، التي ألقت الأقدار على كاهلها مهام التأهيل النفسي لمرضى نفسيين تختلف معاناتهم من شخص لآخر، أصيبت بمرض تصلب متعدد بالأعصاب منذ نحو عشر سنوات، "أنا أصبت بالمرض ده ومكنتش أعرف عنه حاجة رغم دراستي في الطب النفسي، لكن قرأت عنه وتعمقت فيه، وأنا اللي جيبت المرضى بنفسي وعلمتهم التمثيل، لأنهم اختاروني أعمل دعم نفسي للمرضى لأني شبههم وبيرتاحوا ليا وفيه بينا ألفة، وكانت رسالتي إنه مينفعش يفضل الإنسان في قوالب نمطية وحياته واقفة مكانها، لازم يغير الصورة الذهنية عن نفسه".