رئيس التحرير
عصام كامل

في معرض الكتاب.. «الكتاب رحال من ماليزيا لكفر الدوار»

فيتو

في أحد قصائده الشعرية، يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش "وأشهد أني حر وحي"، في عبارة قصيرة بسيطة استطاعت أن تجمع بين الحياة والحرية معًا، وقلما تجتمعان معًا في جسد واحد، لكنهما التقيا هناك، على مساحة عشرات الأمتار، حيث تسكن آلاف الكتب بين راحتي "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، مكتسبة قيمتي "الحياة والحرية" معًا، وكأن الكتاب في دقائق قليلة برز منه جناحان وطار عاليًا حيث أراد حامله أن يذهبه.


"أنا حضرت لمصر مخصوص بإجازتي الجامعية لشراء كتب الفقه الإسلامي من جناح الأزهر، كل يوم نتوجه للركن ذاته، حتى تبدأ الدراسة"، يلتقط الكلمات العربية من بين أسنانه لتبدو واضحة، فالعامان اللذان قضاهما في حي مدينة نصر لم يجعلا "أمير" الفتى الماليزي ذا العشرين عامًا، متقنا للغة العربية

"أنا هنا بمصر منذ عامين كل معرض احضر لشراء كل ما احتاجه أنا وإخوتي بمنزل العائلة من كتب فقهية وأعود بها إلى المنزل في نهاية العام الدراسي"، نحو تسعة آلاف جنيه، دفعهم أمير وصديقه محمد في شراء الكتب والمجلات التي تزين أروقة جناح الأزهر بحوافها الذهبية، "اشتيرنا حقائب السفر هذه خصيصًا لجمع الكتب لأن حقائبنا لا تسع الكم الهائل من الكتب"، فهذا الكم وهذا الرقم، الخيالي لدى بعض المصريين، يسخر خصيصًا كوسيلة لرحلة كتاب أنتج في أحد الأحياء المصرية، وكتب بأيدي قاهرية كانت أو ريفية، وها هو ينتقل سريعًا إلى أقصى دول العالم لتتقاذفه أيادي وعقول أشقاء أمير.

على الجانب الآخر حيث تسكن خيمة الجناح الخيري بهدوئها المعتاد منذ اليوم الأول، تقف سناء طالبة الماجستير المقيمة في محافظة الإسكندرية، تحمل حقيبة سفر متوسطة الحجم، في انتظار الأخ الأصغر الذي سارع نحو رواية لأحد الكتاب الشباب، "دي أول مرة أزور المعرض حسيت إني عايزة أخد معايا كل كتب الخيمة، لأن في إسكندرية مبقدرش انزل بحرية اشتري الكم ده وبأسعار نسبيًا مخفضة"، تلتقط صديقتها أميرة طرف الحديث قائلة "الكتاب في المعرض له قيمة تانية، أنا من كفر الدوار وحريصة كل سنة إني أجي المعرض يوم خلال أيام انعقاده علشان اشتري كتب ليا ولصديقاتي في البلد"

وعند خيمة ألمانيا، يقف محمود العُماني الذي اعتاد السفر إلى مصر بحكم عمله في إحدى شركات السياحة، في أيام الشتاء، "يتصادف وجودي بمصر مع أيام افتتاح معرض الكتاب، بنعرف إنه من أكبر المعارض في العالم العربي، أصدقائي حينما يسمعون بقدومي لمصر، كل واحد يريد أن أحقق له أحلامه المعرفية"، يشير محمود إلى حقيبة تحمل اسم إحدى دور النشر، مكتظة بروايات لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعلاء الأسواني، أيام قليلة ويعود محمود إلى وطنه حاملًا الكتب مصرية الراية إلى الشقيقة عُمان.

من يد ماليزية لأخرى سكندرية، يتهادى "الكتاب الرحال"، وينساب محلقًا في سماوات لا يمكنك إحصاءها، فمنذ أن يحط على أحد الأرفف في خيمة هنا أو هناك، يستعد لجولة خارج حدود الوطن وربما الإقليم.
الجريدة الرسمية