التعليم بين «التيك أواي» وصناعة الطبيخ
من الآفات التي ابتلي بها المصريون منذ عقد السبعينيات مطاعم "التيك أواي" أو الوجبات السريعة التي بدأ انتشارها مع عصر الانفتاح، ووصل الأمر حاليًا إلى حد المأساة حتى إن نسبة كبيرة من البيوت هجرت فكرة الطعام المنزلي الشهي وتعتمد على تلك المطاعم، ورغم التحذيرات الصحية الكبيرة من الاعتماد على الوجبات السريعة في حياتنا إلا أن هذه المأساة متكررة في العديد من البيوت.
وإذا كانت تلك المطاعم تمثل حلًا جيدًا لمن يضطرون إلى الوجود في أعمالهم لساعات طويلة إلا أنها في الوقت ذاته باتت تمثل تهديدًا صارخًا لصحة المصريين لاستسهال نسبة كبيرة من الزوجات، وبدلًا من أن تشقى لساعات في مطبخها لإعداد الطعام اللازم لأفراد أسرتها تختار الحل الأسهل وتضغط على أزار الهاتف لتطلب ما تريد، والأمر لا يقتصر على ارتفاع أسعار تلك الوجبات قياسًا بما ستعده في منزلها، بل يتخطاه إلى أن حجم الأمراض التي يمكن أن تتعرض لها الأسرة كبير للغاية، إذا تم الاعتماد بشكل أساسي على مثل هذه المطاعم.
الأمر في وزارة التربية والتعليم حاليًا يشبه كثيرًا أحوال البيوت المصرية التي تعتمد على مطاعم "التيك أواي"، فقد خرجت الوزارة من مرحلة صناعة الطبيخ المنزلي الطازج الشهي إلى مرحلة استيراد الوجبات التي تحتاجها في وقت سريع، دون حساب للأمراض التي يمكن أن تصيب جسد التعليم فيما بعد ولا إلى فارق التكلفة، كما أنها لم تعد تحسب حسابًا للجهات التي تعمل في مجال الوجبات التعليمية الجاهزة، وأنها ستصبح بعد وقت أسيرة لتلك الجهات، التي تقدم منتجًا جاهزًا للاستهلاك، ثم تعمل جاهدة على تجهيز منتج آخر لتكون قادرة على إغرائك بتجربة مزيد من المنتجات الجاهزة السريعة.
وبدلًا من السعي وراء جذور المشكلات التي وصلت بالتربية والتعليم إلى فقدان بوصلة إعداد الوجبات بالطريقة الصحيحة وإخراج منتج تعليمي جيد، والعمل على حل تلك المشكلات، وتطوير أدواتها وإمكانياتها والبحث عن الكفاءات وأصحاب القدرات الذين يمكنهم القيام بأعباء تلك المهمة، اختارت الوزارة الحل الأسهل والأكثر يسرًا من خلال استيراد نماذج تعليمية جاهزة، فيممت وجهها شطر الغرب الأوروبي والآسيوي للبحث عن المطاعم الأكثر بريقًا في مجال صناعة الوجبات التعليمية، وخرجت لنا بإعلانات عن اقتراب الوزارة من الحصول على التجربة الفنلندية في التعليم وكذلك التجربة الألمانية ومن قبل كانت التجربة اليابانية التي استوردتها الوزارة ومع ذلك فشلت حتى الآن في التحضير النهائي للوجبة وتسويتها التسوية اللازمة قبل الاستخدام.
واستمرارًا لمسلسل "إهمال الطبيخ البيتي" لجأت الوزارة إلى الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا التعليم تستورد برامجها وتسند لها مهمات تدريب المعلمين، دون أن تسعى إلى فحص أسباب عدم الرضا عن الصناعة المحلية، أو عدم الرضا عن التدريبات التي كانت تعقدها الوزارة، لبحث تطوير أدواتها من أجل إنتاج منتج أكثر كفاءة وتكون هي صاحبة سر الصنعة فيه، كما أنها لم تراع الأمراض التعليمية التي يمكن أن تنتج عند استخدام منتجات قد تكون صالحة في بلادها ولكنها لا تناسبنا.