رئيس التحرير
عصام كامل

المتسولون يرفضون العيش على نفقة الحكومة.. «التضامن» تفشل في إقناع المشردين بالانتقال لدور الرعاية.. سيدة الكرتونة تصر على البقاء بمكانها.. عجوز يصرخ للاستمرار بالشارع

الدكتورة غادة والي،
الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي

دشنت الحكومة دور الرعاية لاستقبال المسنين وكبار السن المتسولين غير القادرين على توفير مساكن تأويهم، يعيشون على الأرصفة في الشوارع، تتوفر تلك المنشآت في كافة المحافظات، وما أكثر غير القادرين، لكن طامة كبرى تواجه وزارة التضامن الاجتماعي، وهي رفض هؤلاء الإقامة في دور الرعاية لأسباب مختلفة.


متسولة المنيل
في استجابة لبلاغ وارد من بوابة الشكاوى الحكومية حول وجود سيدة وابنتها مشردتين في الشارع في حالة يرثى لها، وتفترش مكانا أمام جامع الشريف بميدان المنيل، توجه فريق التدخل السريع إلى مكان تواجد الحالة.

في البداية؛ لم يجدوا الحالة في مكانها، وبسؤال أهالي المنطقة أفادوا أنها متسولة هي وابنتها، وتتجول بها خلال اليوم في عدة أماكن لجمع المال ثم تعود إلى نفس المكان للراحة، وانتظر أعضاء الفريق بعض الوقت توقعا لعودتها، وعندما عادت رفضت محاولات أعضاء الفريق لإقناعها بنقلها إلى دار رعاية حماية لها ولابنتها.

فنان تشكيلي
حالة أخرى لرجل يدعى "ماهر م ي"، ٦١ عاما، وكان متزوجا وانفصل عن زوجته من ٢٠ عاما ولديه ابنتان، الابنة الكبرى تدعى دعاء من مواليد عام 1990 والصغرى تدعى ضحى من مواليد عام ١٩٩١ وقد سافرتا إلى الولايات المتحدة وهما مستقرتان هناك حاليا، وكان ماهر يعمل فنانا تشكيليا منذ أكثر من عقدين لكنه احترف التسول بعد أن أصبح وحيدا دون عائلته.

أكدت وزارة التضامن الاجتماعي في بيان لها، يونيو الماضي، أنه رفض الاستجابة لطلب فريق التدخل السريع لنقله إلى دار لرعاية المسنين بعد محاولات طويلة لإقناعه أن الحياة في الدار حماية له، إذ سوف تقيه شرور الشارع ومهانة مد اليد لطلب الحسنة، كما أن الرعاية كاملة في الدار وأن بإمكانه العودة إلى ممارسة هوايته في الرسم والفن التشكيلي، غير أنه صمم على عدم ترك الشارع وأصيب بحالة هياج مهددا الفريق بعدم الاقتراب منه أو محاولة نقله عنوة، وفي النهاية انصرف الفريق وترك الحالة في الشارع.

قصر العيني
الأمر كان أكثر تعقيدا، مع مشرد بلا مأوى بشارع قصر العيني بالقرب من مجلس الوزراء، توجه على الفور فريق التدخل السريع بناء على بلاغ من أحد المواطنين، لمكان تواجد المشرد، حيث تبين وجود رجل مسن يرتدي ملابس ممزقة وأفاد أنه يدعى عبد الحميد ويبلغ من العمر 70 عامًا، وقد شعر بالخوف من اقتراب الفريق منه، فقدموا له طعامًا ومياه وذلك لطمأنته واكتساب ثقته حتى يتسنى إقناعه برغبة الفريق في تقديم المساعدة له ونقله لدار رعاية.

وتمت بالفعل عدة محاولات لإقناعه بالانتقال مع الفريق إلى دار للمسنين لرعايته وتوفير مكان آمن له والاطمئنان عليه صحيًا لكنه رفض تمامًا، وعند إصرار الفريق أخذ يدفعهم وتملكته نوبة صراخ لكي يتركوه، مما دفع الفريق إلى الانسحاب على أن يجدد المحاولة لاحقا.

سيدة الكرتونة
تلك الوقائع أعادت على الأسماع قصة "سيدة الكرتونة" التي هزت كافة مواقع التواصل الاجتماعي يناير من العام الماضي، وأثرت بصورتها وحالتها التي بدت عليها، في كل من رآها على «السوشيال ميديا»، تلك السيدة مصرية كفيفة تبلغ من العمر 85 عاما، اتخذت من كرتونة مسكنا ومأوى لها بسوق الخضار في بهتيم بمدينة شبرا الخيمة شمال القاهرة، لا يعرف أحد عنها شيئا ولم تكشف لأحد عن اسمها أو شخصيتها.

الأهالي عرضوا عليها الإقامة في دار للمسنين لكنها رفضت وأصرت على البقاء في السوق حيث تجلس في الكرتونة وتبيع الخضراوات منها، وفي المساء تنام فيها وتلتحف ببعض الملابس القديمة كي تحميها من البرد القارس، كما أنها رفضت كافة مساعدات وزارة التضامن.


الرأي النفسي
وفي السياق نفسه يقول "أحمد الباسوسي" الخبير النفسي، إن الأمر يتعلق بالتعود على نظم معينة للحياة، حيث يكون المواطن مرتبطا بمكان بعينه ويصعب عليه تركه حتى وإن كان موبوءًا، كما يحدث للمواطنين أيضا عندما ينتقلوا من الأماكن الخطرة للمدن الجديدة.

وتابع قائلا: "يرى المشرد أن تلك الأماكن ذات أريحية كبيرة يمارس فيها حريته كما يشاء، وإن دور الرعاية نظام وخندق بالنسبة له، لما فيها من أسس ومتطلبات ونقص في الإمكانيات، مؤكدا أنه إذا توافر عنصر الجاذبية في تلك الأماكن من حرية ووسائل معيشة جيدة وكافة الإمكانيات، ستكون عنصر جذب لتلك الفئة.
الجريدة الرسمية