رئيس التحرير
عصام كامل

أطفال سوريون بلا جنسية يسمون بلجيكا «الوطن».. 50 ألف مولود دون «هوية» في لبنان.. التوازن الطائفي يمنع بيروت من تسجيل أبناء اللاجئين.. وأوروبا حلم «مستقبل أفضل»

فيتو

الآلاف من المواليد السوريين في لبنان معرضون لخطر كونهم "بلا وطن" بسبب البيروقراطية المأساوية، وهذا ما دفع عائلة سورية إلى المخاطرة والانتقال إلى بلجيكا.

تؤرجح إيفا راشو ابنها البالغ من العمر ستة أشهر بين ذراعيها ذهابًا وإيابًا، وهي تغني له "أنت صبي بلجيكي، من فضلك لا تبكي، صبي بلجيكي".

إيفا وزوجها أحمد يحتفلان برحلتهما إلى بلجيكا، حيث ولدت إيفا، الأم السورية، ابنها سام في لبنان في يوليو الماضي، لكنها لم تستطع تسجيله لدى السلطات اللبنانية لأن كلا من إيفا وأحمد يقيمان بشكل غير قانوني في بيروت

وتقول لـDW: "كان يجب أن يكون أحدنا على الأقل مسجل قانونيًا في لبنان لتسجيل طفلنا".

هرب أحمد من دمشق في عام 2014 لتفادي الخدمة العسكرية الإلزامية، فيما لحقت به إيفا عام 2015 ليتزوجا في بيروت عام 2015، وقبل أسبوع واحد فقط، حصل الزوجان على حق اللجوء في بلجيكا.

"لقد كنا قلقين حول الجنسية التي سيحملها ابننا سام، سواء أكانت السورية أو اللبنانية أو ""بلا وطن"" أضافت إيفا.

التمييز ضد السوريين
وخوفًا من إعادته إلى سوريا، لم يجرؤ أحمد على الذهاب إلى السلطات اللبنانية لتسجيل ابنه، لكن إيفا تمكنت من الحصول على الأوراق اللازمة وذهبت إلى مكتب الأمن العام اللبناني للحصول على إقامة نظامية، لتسجيل ابنها، لكنها جوبهت بالرفض، وعندها قالوا لها "أنت هنا لأخذ وظائف اللبنانيين، عودي إلى بلدك"، لذلك تتهم إيفا لبنان بالتمييز العنصري ضد السوريين.

مستشار المعلومات في المجلس النرويجي للاجئين في بيروت مايك بروس يقول إن "التعديل الأخير في القانون يسمح للأسر غير المسجلة بتسجيل أطفالها خلال الأشهر الـ 12 الأولى ولكن البيروقراطية لا تزال تعيق الوالدين".

لا يتمتع عادةً الأشخاص غير المسجلين بحق الإقامة، ولا يستطيعون بدونها التنقل بحرية، كما أنهم يعيشون في خوف مستمر من اعتقالهم أو إعادتهم إلى سوريا، ونتيجة لذلك، تشعر هذه الأسر بأنها مترددة في توثيق ولادة مواليدها.

ويضيف بروس: "حتى لو كان القانون يسمح لهم بالتسجيل لكن الخوف من اكتشاف إقامتهم بشكل غير شرعي يعتبر حاجز رئيسي".

هذه المسائل تجعل من آلاف المواليد السوريين الذين ولدوا في لبنان "عديمي الجنسية"، وتشير الدراسات الاستقصائية التي أجرتها مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين ومفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمجلس النرويجي للاجئين إلى أن عدد الأطفال غير المسجلين في لبنان يصل إلى 50 ألف طفل.

ومن المرجح أن يكون عدد هؤلاء اللاجئين في الأردن وتركيا والعراق أعلى من ذلك بكثير.

يسلط بروس الضوء على المشكلات التي يواجهها هؤلاء الأطفال. "عندما تكون ولادة الشخص غير مسجلة، يجعل الطفل غير قادر بالحصول على الحماية الدولية، والحصول على الخدمات الأساسية وزيادة خطر انعدام الجنسية".

لماذا يتردد لبنان بمنح إقامات للسوريين؟
خلال سبع سنوات من الحرب في سوريا لجأ نحو خمسة ملايين سوري إلى دول الجوار، وطلب واحد من كل خمسة أشخاص اللجوء في لبنان. ومع وجود أكبر عدد من اللاجئين في لبنان، وأكبر عدد بالنسبة لعدد السكان، فإن لبنان ليس متحمسًا لتقديم الجنسية اللبنانية للسوريين.

عدا عن أن اقتصاد لبنان هش، ويعاني من التضخم المرتفع، وارتفاع الأسعار والبطالة، كما يعتمد على توازن طائفي من شأن منح السوريين الجنسية أن يخل بهذا التوازن.

كذلك للبنان تاريخ مع اللجوء، إذ لجأ إليه الآلاف من الفلسطينيين بعد عام 1948 ولم يعودوا، لذا يتخوف لبنان اليوم من منح السوريين حق الإقامة ما قد يجعل البعض يفضل البقاء في لبنان.

خسرت بلدا لكني كسبت آخر
أحمد وإيفا مسروران لانتقالهما إلى بلجيكا، فكلاهما يفضل دولة أوروبية على سوريا أو لبنان، من أجل مستقبل سام.

"أنا أكره سوريا"، يقول أحمد. "لماذا نريد العودة إلى سوريا، ما الذي نملكه هناك؟" يسأل.

أحمد يشعر بخيبة أمل في النظام والمتمردين لتحويل سوريا إلى ذبيحة، بينما لا تحمل إيفا مشاعر سلبية اتجاه سوريا، رغم كل ما عانته من مشكلات تتعلق بالتمييز على أساس النوع والضغط المجتمعي، فهي كردية، ما جعل ارتباطها بأحمد وهو شاب عربي أمرًا غير مرحب به في عائلتها، ودفع بعض أشقائها لمقاطعتها.

تشعر إيفا أن كل ما مرت به من تجارب جعلها تتأقلم مع العيش في بلجيكا أسرع، وتقول بابتسامة "خلال الحرب، كان السوريون واللبنانيون يعتقدون أني من مؤيدي الدولة الإسلامية لأني أرتدي الحجاب، والآن أرتدي غطاء كالقبعة ما يجعل الأمر مقبولًا هنا في بلجيكا".

سمعت إيفا قصصا عن الكثير من السوريين المتورطين في أعمال إجرامية أو عن العنصرية التي يواجهونها في أوروبا، لكنها ليست معنية. وهي تعمل معلمة لغة عربية لغير العرب وتعطي دروسًا عبر سكايب للأمريكيين والألمان والفرنسيين والكنديين.

وتقول إيفا: "الغربيون أشخاص طيبون، طيبون جدًا"، لكنها تعرف أنها وعائلتها سيخوضان معارك طويلة للحصول على القبول في أوروبا.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية