رئيس التحرير
عصام كامل

جرَّبت تكون حمدين؟!


جرَّبت؟ مجرَّبتش؟ طيب هل الأستاذ اللي قاعد جنبك في الميكروباص وسارح في ملكوت الزحمة جرَّب؟ الأبلة اللي ورا على الكُرسي القلاَّب اللي بتدوَّر على رُبع جنيه فكَّة جرِّبت؟ البقال الذي نهض مُتثاقلًا الصبح علشان يناولك علبة السجاير وشخط في وشَّك وقال لَك شوفلي فكَّة جرَّب؟ جارتكم اللي قاعدة على الباب من الساعة سبعة الصبح تفرَّط بسلة وتقطع جزر جرَّبت؟ إيه يا جماعة محدش حابب يجرَّب واللا إيه؟!


للتوضيح: حمدين هذه صفة وليست اسمًا لشخص مُعيَّن؛ هي صفة لمَن فاته قطار كُل حاجة، قطار الشُغل، وقطار الثورة، وقطار السُلطة، وقطار إنه يكون سياسي، أو صحفي، أو كمساري، أو حتى موظف أرشيف في إدارة طوخ التعليمية، سعيد بسيجارة ورا ودنه، وكوباية شاي في إيده، وقعدة في الشمس ساعة الضُهرية وهو مزوَّغ من الملفات والأضابير، إيه الأضابير دي؟ حاجة زي القُلَّة كده، سيبَك متشغلش بالك، ده حتى قطار الساعة 12 اللي مسافر ع الصعيد فاته وزعَّل منه الست (عفاف راضي)، فاته ليه؟ لأنه قعد يتفزلك وهو يقوم بالتنظير كعادته مُهاجمًا سياسة الحكومات في آخر مائة عام، بسبب تحوَّل اسم الوابور إلى القطار!

نرجع لموضوعنا: جرَّبت؟ جرَّبت في عِز ما تفشل تمشي في شوارعها وتخربها؟ مجرَّبتش؟ يبقى أنت أكيد مش من الأحرار، أكيد إنت من العبيد اللي عايزين استقرار ودولة ونظام وقانون، مش عاوزين مناطحة ونطح عمَّال على بطال، وجاعورة وزور أوسع من نفق شبرا، أو ما يطلق عليه الخبراء جعجعة بلا طحين.. والصراحة مش مُهم في عصرنا هذا أن تكون الجعجعة بطحين، المُهم تكون بحمدين!

وعلى الرغم من أن بلدنا ابتليت بهذه المُخلَّفات التي أفرزتها ثورة يناير المسكينة اللي انضحك على الشعب بيها، ليركبها هؤلاء الأفَّاقون السياسيون الذين لا يعرف الواحد عنهم عن السياسة إلا أنه هو الشعب (والرَد من نفس المسرحية المتزوجون: دي سياسة.... دي)، ويتاجروا بيها وبالمشاركين فيها، وبالمساكين الذين قُتلوا غدرًا وغيلة، وحتى بالمجرمين اللي راحوا في داهية واتسموا شهداء وهما شياطين، وتساوى الطيب مع القبيح، بينما طفا الشرس على سطح الملوخية مع الفتَّة ولقي شغلانة أخيرًا!

ومش عيب الواحد يشتغل في الملوخية، أهو أحسن من قعدة البيت، حاكم زمان قالوها حكمة: قعدة الراجل في الدار زي الندب بالتار، والحقيقة أنه كُل ما بيتنسى شوية، والبرامج الفضائية تنشغل بأمور أهم منه زي خناقة (شوبير) و(الطيب)، أو عفاريت (ريهام)، أو فتاة المول، أو حتى آخر بدلة رقص لـ(صوفينار)، وكُلها أشياء أهم منه الحقيقة، المُهم أنه عندما يحدُث هذا ويقعد في الدار بعيد عن الأضواء بيعمل بلاوي، ويخترع حواديت، ويدعو دعوات غريبة..

وفجأة يطلع بتيار جديد، وكأن المُشكلة في الأسماء، آه طبعًا هو مشكلته دايمًا في الأسماء لأنه لا يعرف المضمون ولا عنده فكرة عن أي مضمون، وغالبًا هو غير قادر حتى على التفريق بين حتى البطيخة ودكر البَط لو قشُّروا الأولى ونتفوا ريش التانية؛ هو هيفرَّق واللا هيلهط على طول؟ أكيد سيلهط بلا تمييز!

وتناقشنا قبل فترة وجيزة في التيار التوسعي التعسفي تقريبًا على ما أذكر، ويُمكنك العودة لأرشيف الكاتب (اللي هو العبد لله) لمُطالعة المقال، ويبدو أنه فُرض علينا أن نناقش تيارًا جديدًا وقوده الزور والأحبال الصوتية بينما الفعل على الأرض كما آخرة الزمر تمامًا: طيط.. وطيط حضرته غير طيط الآخرين دائمًا لأنه ثوري وشعبوي وتعسُفي وزعيم في نفسه كما يظن، وبالتالي فميزة الطيط هنا العمق واتساع الأفق، رغم أنه لما دخل انتخابات ضد مُنافس وحيد طلع هو التالت يا جدع مش التاني حتى، وهي مُعجزة لم تحدُث في تاريخ البني آدمين ولا الموتسيكلات لا قبلًا ولا بعدًا!

علشان كده مكانش ينفع يدخُل انتخابات ضد نفس المُنافس لا يطلع الرابع أو السادس المرَّة دي، كما آثر رفاقه في نفس الميغة المرغوب إعادتها للحياة بعد ما ماتت وعفنت الانسحاب من السباق الانتخابي علشان عارفين إن الواحد منهم مش ميقدرش ينزل انتخابات فحسب، لكنه ميقدرش ينزل الشارع، فوقتها الناس هتاكله بسنانها ـ متنساش إنه شغال على وش الملوخية وبجملة القطط اللي بتتاكل على إنها لحمة ـ لأنه كان سببًا من أسباب خراب الوطن وكُل المشكلات اللي شوفناها في السنوات الأخيرة بعدما أفشلوا ثورة يناير وحوَّلوها من ثورة شعبية لثورة خايبة سطا عليها لصوص السياسة الفاشلين ولصوص الدين النصَّابين!

واحد عمل حادثة عربية وبطح نفسه في الجنينة وجاي يجيبها في التربُص السياسي، وواحد بعد ما حاول يرشَّح نفسه معرفش يلم تلاتين أربعين توكيل من شعب تعداده 100 مليون بني آدم فجابها في الاضطهاد السياسي، وواحد وسطه بقى اتنين بوصة من كُتر الرقص على السلالم، ومتعرفش هو ليبرالي واللا إخواني واللا منغلق واللا مفتوح وهيسد بإيه؟ راح جايبها في الانحراف السياسي، وواحد مش لاقي حاجة يكتبها على تويتر راح متكلِّم عن الاستفراغ السياسي، وواحد مش لاقي شغل بعد ما أكلوه من على وش الملوخية ـ أرجوك متنساش ـ راح طابخ طاجن تيار سياسي على لحمة ضاني!

هُما دول الساسة؟ أبدًا والله، لا هُما ساسة ولا دي سياسة، والسياسي مُهمته الأولى إقناع الشعب بنفسه (بالعقل والثقافة والفعل الحقيقي اللي يخدم البلد مش يجيبها الأرض) علشان ينتخبوه في أي منصب نيابي أو رئاسي أو غيره، لكن دول الشعب مش بالعهم ولا طايق أشكالهم، وأنا لا أتحدث باسم الشعب طبعًا، لكن الأمور واضحة، والديمقراطية في الصناديق واضحة، واللي مش عاجبه ديمقراطية الصناديق يدعو للنزول في الشوارع من جديد وقد فعلوها 2000 مرَّة في السنوات الأخيرة بعد ثورة يونيو التي أخصت طموحاتهم المنحرفة وهُما معاها تمامًا..

فلم ينزل أكثر من 15 نفرا في أي مناسبة مشبوهة من تلك، وكان معظم الخمستاشر دول باعة جائلين وبتوع شاي وقرص بسمسم على أمل إنهم يسترزقوا لكن اكتشفوا أن الميكروباص 14 راكب فيه ناس أكتر من المظاهرة!

وقد يقول قائل إن القبضة الأمنية أو القهر سبب في عدم الاستجابة لتخاريف هؤلاء، والله كذاب ابن كذاب مَن يقول هذا، فالشعب لو عاوز ينزل هينزل، وإحنا شوفنا في يناير وكان ضد أقوى نظام وكانت الشرطة في قمة عنفوانها، فياريت متخليش حَد يضحك عليك بهذه الردود التافهة بتاعة العيال اللي بيطلعوا في العاشرة مساءً دول!

مُشكلتهم أنهم يتشدقوا بالديمقراطية ولما نلجأ لها يقولوا عاوزين ثورة، ولما نعمل ثورة يسرقوها ويركبوها ويتاجروا بيها ويختلفوا عليها ويقطَّعوها ما بينهم، فالبلد تخرب، قوم لما نعمل ثورة تانية من غيرهم ونرجَّع البلد، يسموها انقلاب، ويطلبوا انتخابات علشان الديمقراطية، ولما نلجأ للانتخابات الديمقراطية يسقطوا فيها فينادوا بثورة، ولما نعمل ثورة يسرقوها ويركبوها... وإلخ إلخ إلخ..

عرفت ليه محدش حابب يكون حمدين؟ تمام كده؛ لأن البنية الأساسية للبلد لا تتحمَّل هذا الإفراط غير الآدمي في استخدام وسائل الصرف الثوري!
الجريدة الرسمية