رئيس التحرير
عصام كامل

عبدالرحمن بدوى..الوجودى المؤمن 3


إذا كان اسم الدكتور عبدالرحمن بدوي ارتبط لفترة طويلة في الثقافة العربية بالفلسفة الوجودية، فإن كثيرين اتخذوا من هذا الارتباط توطئة للهجوم عليه ورميه بأقذع التهم، خصوصا أن للفلسفة الوجودية وجها إلحاديا.. وأغلب الظن أن الذين هاجموا عبدالرحمن بدوي من هذه الوجهة لم يسيئوا إليه فحسب، وإنما أساءوا إلى فهم الوجودية أكبر إساءة وتجاهلوا الوجه المثالي لها.


يقول المفكر الراحل محمود أمين العالم: نشرت مقالا في مجلة الهلال الشهرية بعنوان: «هذا الفيلسوف المؤسسة»، بينتُ فيه أن عبدالرحمن بدوي ليس مجرد مفكر، بل هو فيلسوف وعرضت لفلسفته في رسالته «مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية» والزمان الوجودي ولقد لاحظت في عرض ذلك أن الاستدلال المنطقي الشكلي يكاد يسود في النتائج التي ينتهي إليها في أكثر من قضية من قضايا هذين الكتابين.

وأشرت في نهاية العرض إلى أن الدكتور بدوي ذكر في تلخيصه لكتابه «الزمان الوجودي» في معجمه بأنه الخطوط العامة لمذهب جديد في الوجود.

وقال: سنجعل مهمتنا في الحياة تفصيل أجزائه، إلا أنه في الحقيقة لم يتمكن من الوفاء بهذا الوعد، وأنه اتجه بكليته إلى مجال الدراسات والتحقيقات والترجمات في مجال الفلسفة بشكل عام، والفلسفة العربية الإسلامية بشكل خاص، وإن كنا نستطيع أن نتبين فلسفته الوجودية في اختياره الخاص لما يترجم، وفي عنايته بالجانب الصوفي والإشراقي والأفلاطوني في تراثنا الفلسفي القديم، وفي الكثير من تعقيباته وتعليقاته وآرائه حول بعض جوانب هذا التراث.

ثم تساءلت - الكلام لمحمود أمين - هل توقفت طاقته الإبداعية الفلسفية بعد الانتهاء من رسالتيه الجامعيتين؟ أم أن فلسفته الوجودية كانت مجرد ثمرة ثقافية خالصة لقراءته في الفلسفة الألمانية، وكانت منبتة الصلة بحياته وبواقعه السياسي والاجتماعي كما يقول بعض الناقدين لفلسفته؟

ولقد رأيت أن الدكتور عبدالرحمن بدوي عندما كتب رسالتيه الجامعيتين، كان متأثرا بالفعل تأثرا ثقافيا عميقا بالفلسفة الوجودية الألمانية المثالية، وخاصة عند هايدجر، ولكن هذا التأثر لم يكن مُنبتّ الصلة بواقع خبرته السياسية في المجتمع المصري آنذاك، ورحت أُبيّن علاقته بحزب مصر الفتاة بين عامي «1937 و 1940»، هذا الحزب الذي كان يسير على خطى المفاهيم والقيم الفلسفية والمثالية اللاعقلانية للحزب النازي، فضلا عن تلاقيها بشكل سطحي وإن اختلفت دلالة الالتقاء في العداء لإنجلترا التي كانت تحتل مصر آنذاك..انتهى كلام محمود أمين العالم عن الدكتور عبد الرحمن بدوى.. ونكمل غدا.
الجريدة الرسمية