رئيس التحرير
عصام كامل

مراجعات ثورية.. (1)


فى يوم 25 يناير، قامت مجموعة من القوى السياسية بالتجمع فى جميع المحافظات على أثر دعوى على مواقع التواصل الاجتماعى، منددين بنظام الحكم الديكتاتورى، كان ذلك التجمهر يعتمد على مجموعات من الشباب الذى لا يعرف إلا القليل عن الوطن ومعادلته السياسية، وهو ما ثبت عمليا مع مرور الوقت، اللهم إلا تلك الأحلام البسيطة المتمثلة فى "عيش وحرية وعدالة اجتماعية".


وبدأ التصاعد الدرامى للأحداث وسط أجواء معتمة فلا مصداقية لدى النظام الحاكم ولا مصدر للتصريحات لدى المتظاهرين، وغرق الشعب المصرى فى بحر من الشائعات غير المنسوبة لمصادر، فعلى سبيل المثال لا الحصر.. يتم تداول خبر عن إعلان الخارجية الأمريكية عما يعادل 70 مليار جنيه مصرى ثروة عائلة مبارك فى الولايات المتحدة، ولا يزال مجهول المصدر حتى الآن!.

وأيضا قيام وزارة الداخلية بفتح السجون فى يوم 28 لخروج البلطجية لإرهاب الشعب، على أننا لم نواجه أيا منهم فى القطر كله طوال أيام الثورة.

شائعات كثيرة وإن نسيناها، فإن ذلك لا ينفى حقيقة أنها لعبت دورا كبيرا فى شحن النفوس ضد النظام القائم وسياسته، وهو ليس بالدور الصعب، فقد كان للشعب أسباب لا حصر لها للغضب، وكانت طموحات الشباب وجموحهم كافيين جدا للانتقال بهم من مرحلة إلى أخرى دون تدقيق فى مدى صحة توجهاتهم أو المتحكم فيها ليتحقق فى النهاية حلم "سقوط الديكتاتور" بتلك البساطة التى تجعل منه ديكتاتورا من ورق.

ولكن.. هل كان حقا ديكتاتورا من ورق أم نحن من اختلط عليه الحلم بالوهم؟..
مما لا شك فيه أن الطرف الخاسر من الثورة هو الحزب الوطنى، إذًا لنبحث عن المستفيد، الذى سيصير مضطرا لفرض سيطرته وإحلال رجاله وقيم دولته.

ولكن لأنه، ولسوء حظه، سيئ السمعة فى تراث العوام كان لابد له من غطاء سياسى يعطيه حرية الحركة، ولم يكن أفضل من المظلة الشعبية لأنه يملك من الآليات ما يكفى لتوجيهها معتمدا فى ذلك على انعدام الشفافية لدى الحكومة ومصداقيتها المشبوهة.

لذا كان الحل الوحيد هو استعطاف المصريين عموما باستخدام الشباب كدرع بشرى يدير من خلفه عملية سطوه "المسلح" على إرادة الشعب المسلوبة من قبل.

لذا كان إخفاء حقيقة تخطيطه ومسئوليته عن الأحداث شرطا لنجاح خطته، فوجدناه يتفانى فى الثناء، آنذاك، على شباب الثورة باعتبارهم مفجر الثورة الحقيقى، ومن ناحية أخرى سارع فى تشويه الطرف المهزوم وصناعة مصطلح "الفلول" بتأييد من الشباب المخدوع بإنجاز وهمى لم يشارك فى تحقيقه، ليحول دون سماع الرأى العام إلى شهادة الطرف الثانى.

وبعد استقرار الأمور وترسخ المغالطات فى الذاكرة المؤقتة للذهن العام، لم يلبث المستفيد أن يتحين الفرص ليعلن خلسة أنه من قام بالثورة وخطط لها مهما كانت ردودنا مليئة بالسخرية أو التهكم، فهى تصريحات تحمل تهديدا لمؤسسات الدولة السيادية والتى تعرف جملة وتفصيلا من يقف وراء تلك المسرحية الهزيلة.

نعم يا رفيق الدرب، إنها مسرحية هزيلة، اتضح فى النهاية أننا لعبنا فيها دور الكومبارس بإبداع وتفانٍ لا مثيل لهما، والشعب كله دفع ثمن تعاطفه معنا وتصديقه لنا بينما كنا مجرد دمية تلاعب بها أحد المختصمين لشحنهم نفسيا ضد الطرف الآخر، فقد تاجر بدماء الشهداء وأحلام الأحياء معا.

هكذا تكون المتاجرة بالأحلام، وهكذا يدفع فيها الساذج دوما ثمنا غاليا.. ودمتم...


twitter.com/MahmoudNabeel
الجريدة الرسمية